الشربجي تكتب : الاردن البلد الجيوستهلاكي والضامن للاستقرار الإقليمي في الميزان
بقلم د. علا الشربجي
بين أمواج الأزمات المتلاحقة، يثبت الأردن مرة تلو الأخرى أنه ركيزة من ركائز الأمن العربي، مما يحتم على حلفائه الخليجيين تحويل دعمهم له إلى أولوية استراتيجية لا تحتمل التأجيل ..
من يتقن فن قراءة الجغرافية السياسيه للاردن وتاريخه العميق في السياسة الإقليمية، يقف على مفترق طرق لا يمكن تجاهله حيث تعيش المملكة اليوم تحديات اقتصادية وأمنية غير مسبوقة تتطلب تضافر الجهود الدولية والإقليمية لضمان استقرارها واستمرار دورها المحوري في حماية الأمن القومي العربي.
أزمة اقتصادية تتطلب دعمًا استراتيجيًا مستدامًا
تواجه المملكة الأردنية الهاشمية صعوبات اقتصادية منها ارتفاع معدلات البطالة، التضخم، والديون العامة الضخمة التي تشكل ضغطًا متزايدًا على اقتصاده المستمر في التدهور نتيجة للأزمات الإقليمية و الدائرة المشتعله في الجوار، مما يزيد من حجم التحديات التي تواجهها المملكة.
لكن الحقيقة المرة التي لا يمكن تجاهلها هي أن الأردن بات في حاجة ماسة لدعم خارجي مستمر، ومن بين أكثر الجهات التي يمكنها إحداث فرق في هذا الملف هي دول الخليج العربي. ففي ظل هذا الوضع، أصبح من الواضح أن الدعم الخليجي للأردن لم يعد رفاهية أو خيارًا عابرًا، بل ضرورة استراتيجية تمليها المعطيات الجيوسياسية والاقتصادية.
الدعم الخليجي… ركيزة أمن قومي لا ترفٌ سياسي
في ظل التحولات الجذرية التي تشهدها المنطقة، بات دعم الأردن اقتصادياً من قبل دول الخليج العربي حاجة استراتيجية مصيرية لا تقبل التأجيل أو التردد. الأردن اليوم، أكثر من أي وقت مضى، يمثل الحاجز الجغرافي والوظيفي الأول أمام فوضى قد تهدد العمق الخليجي ذاته. إن استقرار الأردن هو استقرار للعواصم الخليجية، وإن اهتزت عمان، فلن يكون أحد بمأمن من تداعيات ذلك.
دعم الأردن يجب أن يتحول من منطق “المساعدة الموسمية” إلى “استثمار استراتيجي طويل الأمد”، يعزز صمود المملكة أمام الأزمات الاقتصادية، ويمكّنها من الحفاظ على دورها المحوري في حماية منظومة الأمن العربي.
كل دولار يُضخ في الاقتصاد الأردني اليوم، هو بمثابة تحصين للحدود العربية، وكبح لطموحات الخصوم الإقليميين الذين يتربصون بأضعف الحلقات لمد نفوذهم.
ويستطيع هذا الدعم أن يُحدث تحولًا حيويًا في السياسة الاقتصادية، كما حدث عندما تراجع الدعم الخليجي للبنان بعد أزمة اقتصادية خانقة، ما أدى إلى تداعيات كارثية على استقرار هذا البلد، ودفع القوى الخارجية إلى توسيع نفوذها فيه. هذا المثال يجب أن يكون دافعًا للمملكة الخليجية لتفادي السيناريو ذاته مع الأردن.
من ثم، فإن دول الخليج يجب أن تعي أن دعم الأردن لا يعني فقط مساعدة اقتصادية، بل استثمارًا في مستقبل المنطقة، ودعماً لحماية الأمن القومي العربي بأسره.
أمثلة عن فقدان دول الخليج لبلدان استراتيجية بسبب غياب الدعم
1. لبنان: يمكن القول إن لبنان يمثل مثالاً حيًا على الفراغ الذي يمكن أن يحدث عندما يتراجع الدعم الخليجي. بعد تدهور الأوضاع الاقتصادية والسياسية في لبنان، خاصة بعد بداية الأزمة السورية، شهدت بيروت تغييرات استراتيجية وتوسعًا في النفوذ الإيراني في البلاد. دعم الخليج الذي كان يستفيد منه لبنان سابقًا، بدأ في الانحسار بسبب الأزمات الداخلية وعدم وجود إصلاحات حقيقية. هذا التراجع أدى إلى فتح المجال بشكل أكبر لتمدد النفوذ الإيراني، وتزايد تأثير “حزب الله” في مفاصل الدولة اللبنانية. حالة لبنان تمثل تحذيرًا حقيقيًا للأردن من أن غياب الدعم الخليجي قد يؤدي إلى تقليص نفوذه الاستراتيجي وفتح المجال أمام قوى أخرى قد لا تكون في صالح المنطقة.
2. اليمن: مثال آخر هو اليمن، الذي شهد تراجعًا كبيرًا في الدعم الخليجي بعد سنوات من التقلبات السياسية والحروب. في بداية الأزمة اليمنية، كانت دول الخليج تقدم مساعدات ضخمة لليمن، لكن بمرور الوقت ومع تزايد الأزمات الداخلية والصراعات الطائفية، تضاءل الدعم الخليجي بشكل ملحوظ. هذا الفراغ أدى إلى زيادة النفوذ الإيراني في اليمن، عبر دعم الحوثيين، وهو ما أثر على الأمن الخليجي بشكل مباشر. اليمن اليوم يعاني من حالة تدمير شامل، ويعتبر فقدان دول الخليج لهذا البلد بمثابة دروس قاسية حول غياب تأثير الدعم في استقرار الدول.
3. العراق: رغم الدعم الخليجي للعراق بعد سقوط نظام صدام حسين، إلا أن التردد في اتخاذ خطوات شاملة في دعم الحكومة العراقية في مواجهة تحديات الأمن والاقتصاد سمح بتوسيع النفوذ الإيراني في العراق. هذا التمدد جعل العراق يصبح أكثر عرضة للنفوذ الإيراني، ما أثر على استقرار المنطقة بشكل عام. العراق، الذي كان في يوم من الأيام يمثل عمقًا استراتيجيًا لدول الخليج، أصبح اليوم في مهب الريح بسبب تلك السياسات التي لم تواكب التحديات.
المقترحات العملية لدعم الأردن اقتصاديًا
1. إنشاء صندوق خليجي لدعم الأردن: يمكن تأسيس صندوق خليجي يهدف إلى دعم المشاريع التنموية الكبرى في الأردن، مثل البنية التحتية، والطاقة المتجددة، والتعليم، والصحة. هذا الصندوق سيسهم في توفير فرص عمل مستدامة، وبالتالي تقليل معدلات البطالة.
2. استثمارات مشتركة في قطاعات حيوية: دول الخليج يمكن أن تعمل على توجيه استثمارات استراتيجية إلى قطاعات مثل السياحة، التكنولوجيا، والزراعة، لتحفيز الاقتصاد الأردني، مما يعزز قدرة المملكة على التأقلم مع التحديات الاقتصادية.
3. تسهيل التبادل التجاري والنقدي: يمكن لدول الخليج أن تواصل دعم الأردن من خلال تسهيل حركة التبادل التجاري بين المملكة والخليج، عبر خفض الرسوم الجمركية، وتقديم قروض ميسرة لتمويل المشاريع المشتركة.
4. مشاريع بنية تحتية استراتيجية: يمكن أن تشارك دول الخليج في تطوير مشاريع بنية تحتية ضخمة مثل الطرق والموانئ، مما يساهم في تحسين الربط اللوجستي مع العالم الخارجي ويعزز من قدرة الأردن على التوسع في التجارة الإقليمية والعالمية.
5. التمويل المشترك في مشاريع الطاقة المتجددة: بالنظر إلى الأهمية المتزايدة لمصادر الطاقة البديلة، يمكن لدول الخليج دعم الأردن عبر استثمارات في مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، مما يحقق تكاملًا في استراتيجيات الطاقة بين الدول العربية.
النتيجة: دعم الأردن ضرورة استراتيجية للمستقبل
إن دعم الأردن من قبل دول الخليج ليس فقط أمرًا حيويًا للاقتصاد الأردني، بل هو أيضًا استثمار في استقرار المنطقة ككل. في وقت تتصاعد فيه التوترات الإقليمية وتتشابك فيه مصالح القوى الكبرى، لا يمكن للأردن أن يقف بمفرده في مواجهة هذه التحديات. الدعم الخليجي سيكون ركيزة أساسية لتعزيز صمود الأردن أمام هذه الصعوبات، وضمان استقرار النظام الإقليمي في المستقبل.
الأردن اليوم بحاجة إلى تحرك خليجي عاجل، لكن الدعم لا يجب أن يكون عابرًا أو موسميًا. من خلال استثمارات استراتيجية وتعاون طويل الأمد، يمكن لدول الخليج أن تضمن استقرار الأردن وتحافظ على الدور المحوري للمملكة في المنطقة. المستقبل العربي مشترك، والاختيارات الاقتصادية والسياسية التي يتخذها اليوم، ستحدد مصير المنطقة لسنوات قادمة.








