الشفافية في الأندية والهيئات الشبابية الأردنية: بين النصوص و الممارسة
في ظل ما يشهده العالم من تحولات في مفاهيم راشدية الإدارة والمساءلة والمكاشفة المجتمعية، تبرز الشفافية كمبدأ مركزي في بناء مؤسسات فاعلة ومتماسكة تعكس ثقة المواطنين وتحفّزهم على المشاركة. وفي وطننا الغالي الأردن، أخذت وزارة الشباب على عاتقها إدماج هذا المبدأ في التشريعات الناظمة لعمل الأندية والهيئات الشبابية، لتُشكّل بذلك البنية القانونية الضامنة لوضوح الإجراءات، وعلنية القرارات، ومشاركة الهيئات العامة في صناعة مستقبل انديتها وهيئاتها الشبابية
ولعل نظام ترخيص وتسجيل الأندية والهيئات الشبابية رقم (33) لسنة 2005 وتعديلاته يُعد أبرز النماذج في تجسيد هذا التوجه، حيث حفل بمجموعة من المواد القانونية التي رسّخت مبادئ الشفافية، ليس فقط في النوايا، بل في الإجراءات التفصيلية اليومية للأندية، بدءًا من التأسيس والانتساب، مرورًا بالإدارة والتمويل، وانتهاءً بالرقابة والمساءلة حتى الحل.
أولاً: الشفافية في تأسيس و طلب العضوية
منذ اللحظات الأولى لتقديم طلب تأسيس نادٍ شبابي او هيئة شبابية، يُشترط وفق المادة (4) من النظام تقديم نموذج واضح يتضمن النظام الداخلي للنادي ما يمثل الميثاق والمستند الأول لهذه الموسسة، موقّع من عدد محدد من المؤسسين، وبشروط قانونية محددة( السن،عدم وجود سوابق جرمية، الموقع الجغرافي...). هذه الشروط تهدف إلى ضمان أن يكون التأسيس مستندًا إلى قاعدة مؤهلة وموثوقة، وليس محصورًا في مصالح فردية أوتجاذبات نفعية.
وفي المادة (7)، نجد أن النظام أتاح لأي أردني مستوفٍ للشروط تقديم طلب الإنتساب أو التحويل لعضويته، وملزماً الهيئة الإدارية بالرد خلال مدة زمنية محددة (60 يومًا للانتساب، و30 يومًا للتحويل)، معززاّ ذلك بوجوب تسبيب الرفض، وإلا اعتبر الطلب مقبولًا حكمًا. بل أتاح القانون للمتضرر أن يرفع اعتراضه للوزير، في آلية واضحة تعكس الرغبة في الحد من التسلط الإداري والإستئثار الداخلي.
ثانيًا: علنية الاجتماعات والقرارات للهيئات العامه
أحد أبرز الممارسات للشفافية التي فرضها النظام ما ورد في المادة (10/د)، والتي تلزم الهيئات الإدارية بإعلان الدعوة للاجتماعات وجدول أعمالها عبر وسائل علنية (لوحات الإعلانات، الصفحات الرسمية، الصحف المحلية) قبل 14 يومًا على الأقل ،جاعلاّ هذا الإعلان شرطًا قانونيًا لصحة الاجتماع، كما لا يُعترف بأي اجتماع دون وجود ممثل عن الوزارة، وهو ما نصت عليه المادة (10/أ).
ومتعدياّ الى ما هو ابعد من ذلك الى المحتوى أيضًا، حيث تنص المادة (12/ج) على إلزام الأندية بنشر التقريرين الإداري والمالي قبل الاجتماع الانتخابي بـ15 يومًا على الأقل. هذا الإجراء يعزز الرقابة الداخلية من قبل الأعضاء، ويُتيح لهم تقييم أداء الهيئة الإدارية قبل اتخاذ قرار تجديد الثقة بها من عدمه.
ثالثًا: الإفصاح عن القرارات وتوثيقها
المادة (16/هـ) أوجبت على الهيئة الإدارية نشر قراراتها خلال يومين من صدورها على اللوحات والصفحات الرسمية، وهو ما يعكس اللإلتزام الواضحًا بالإفصاح وعدم إخفاء المعلومة عن أعضاء الهيئة العامة. ويُعد هذا النص استجابة قانونية لمطالب طالما عبّرت عنها الهيئات العامة بشأن "علنية قرارات الإدارة".
كذلك، تلتزم الهيئات الإدارية بمسك دفاتر وسجلات مالية وتنظيمية (المادة 16/أ)، وتشمل هذه سجلات العضوية، وقرارات الهيئة العامة، والمستندات المالية، ما يخلق بنية أرشيفية و مرجع يُمكن الرجوع إليه للمتابعة و التدقيق أو المراجعة أو المساءلة.
رابعًا: الرقابة والمساءلة المؤسسية
الشفافية لا تكتمل دون رقابة فاعلة مسؤولة، وبهذا نصت المادة (16/ب) على أحقية الوزير بتكليف موظفين لتدقيق القيود والسجلات، في حالة رقابية قد تصل في حال وجود مخالفات إلى إحالة الملف إلى المدعي العام (المادة 16/ج). كما تُمنع الشخصيات التي يثبت تورطها في تجاوزات مالية أو تلاعب بالسجلات من الترشح لدورات لاحقة (المادة 16/د)، ما يعزز الانضباط المؤسسي وحماية للنادي والهيئة الشبابية.
وفي حالات تعطيل الشفافية أو تعمّد الإدارة لحجب المعلومات أو اختلاق أزمات داخلية، منح المشرّع الصلاحيات لوزير الشباب بحل الهيئة الإدارية وتعيين لجنة مؤقتة كما في(المادة 18)، وهو خيار استثنائي يلجئ إليه وبضوابط حددتها الماده آنفت الذكر.
خامسًا: حق الأعضاء في الاعتراض والانصاف
إلى جانب الإجراءات الإدارية، أولى النظام أهمية كبرى لحقوق أعضاء الهيئات العامة في الاعتراض والاستئناف. فوفق المادة (17/ج)، يمكن لأي عضو هيئة عامة صدر بحقه قرار وقف عضوية أن يعترض على قرارالايقاف لدى وزارة الشباب خلال سبعة أيام، ويحصل على قرار نهائي ويكون ملزماّ . أما في الانتخابات، قثد مكن النظام المرشحين والناخبين الاعتراض على القوائم الانتخابية أو النتائج وفق المادة (12/ب)، وهو ما يُمكّن الهيئات العامة من الرقابة على عملية التمثيل .
ختاما: الشفافية ليست نصوصًا فقط
لقد وفّر المشرَع الأردني منظومة تشريعية متقدمة تعزز الشفافية داخل الأندية والهيئات الشبابية، ومؤسسا لثقافة المشاركة والرقابة والإفصاح. ومع ذلك، تبقى التحديات في التطبيقية حاضرة في الافق، في ظل وجود بعض الأندية التي لا تلتزم بنشر تقاريرها، أو تتراخى في تمكين الهيئات العامة من حقوقهم القانونية.
وعليه، فإن الطريق إلى الشفافية الكاملة لا يتحقق بالنصوص وحدها، بل يحتاج إلى إرادة تنفيذية حازمة، وهيئات عامة واعٍيه لحقوقها، ورقابة رسمية ومجتمعية مستمرة، حتى تتحول الأندية من مؤسسات مغلقة ومنكفئة على نفسها إلى فضاءات ديمقراطية تُعبّر بحق عن آمال وطموحات الشباب الأردني،وللحديث بقيه لحديث بدأناه
حوكمة الأندية الاردنية : احتياج أم رفاه








