الوسطية والاعتدال في فكر الدولة الأردنية

{clean_title}
الشريط الإخباري :  

 

الكاتب: الدكتور زيد احمد المحيسن

تقوم فلسفة الدولة الأردنية منذ تأسيسها على نهج الوسطية والاعتدال، هذا النهج الذي يشكل حجر الزاوية في بنائها السياسي والاجتماعي والثقافي، وهو ليس مجرد خيار مرحلي أو تكتيك سياسي، بل هو منهج أصيل ينبع من رؤية القيادة الهاشمية التي استمدت شرعيتها من الإسلام الحنيف ومبادئه السمحة التي تدعو إلى التوازن ونبذ الغلو والتطرف. فمنذ عهد الملك المؤسس عبدالله الأول بن الحسين وحتى عهد الملك عبدالله الثاني بن الحسين، ظل الأردن وفيًّا لهذا النهج، واضعًا نصب عينيه مصلحة الوطن والمواطن في بيئة إقليمية تتسم بالتحولات الحادة والصراعات المتعددة. وقد تمثل هذا النهج في سلوك الدولة الأردنية الداخلي، من خلال حرصها على بناء منظومة سياسية معتدلة تراعي الخصوصية الأردنية وتحتكم إلى القانون وتعزز من قيم التعددية والانفتاح والتسامح، مع الحفاظ على الأمن والاستقرار المجتمعي. فالأردن بتعدديته السكانية والمذهبية والدينية، استطاع أن يقدّم نموذجًا فريدًا في العيش المشترك، قائمًا على احترام الآخر، وتقدير الاختلاف، والانخراط في الحياة العامة بروح المسؤولية والانتماء. أما على صعيد السياسة الخارجية، فقد اتسم موقف الأردن بالاتزان والحياد الإيجابي، فكان صوت الحكمة والعقل في محيطه، وسعى دومًا إلى دعم الحلول السلمية للنزاعات، وإعلاء لغة الحوار على حساب الصدام، مؤمنًا بأن الاستقرار الإقليمي لا يتحقق إلا عبر احترام سيادة الدول وتحقيق العدالة والكرامة للشعوب. وقد تجسدت هذه الرؤية في مبادرات عالمية أطلقها الأردن لتقريب المسافات بين الأديان والثقافات، وفي مقدمتها "رسالة عمان" و"أسبوع الوئام بين الأديان"، وهي مبادرات أكدت الدور الريادي للأردن كحاضنة للسلام الإنساني. كما أن الدولة الأردنية كانت وما زالت في طليعة الدول التي تصدت لآفة التطرف والإرهاب، منطلقة في ذلك من فهمها العميق لخطورة هذا الفكر على النسيج الوطني والإنساني، فجمعت بين الحزم الأمني والتوعية الفكرية، وعملت على بناء خطاب ديني عقلاني يعزز مناعة المجتمع ويرسخ ثقافة الاعتدال. لقد أدركت القيادة الأردنية أن البناء الحقيقي للدولة لا يكون بالقوة وحدها، بل بالحكمة والتوازن والعدل، وأن المستقبل لا يُبنى على الإقصاء والإفراط، بل على التشارك والاحترام المتبادل، ولهذا فإن الوسطية والاعتدال ليست مجرد مفردتين في القاموس السياسي الأردني، بل هما نهج حياة، وثقافة وطن، ومشروع دولة تسعى لأن تكون واحة أمان واستقرار ونموذجًا يحتذى به في محيطها المأزوم.

© جميع الحقوق محفوظة لوكالة الشريط الإخبارية 2024
تصميم و تطوير
Update cookies preferences