كوارث مالية ثقيلة تواجه العراق

{clean_title}
الشريط الإخباري :  

يتعمق شعور العراقيين باقتراب بلدهم من كارثة اقتصادية ومالية ثقيلة، نتيجة جملة من المؤشرات التي تعكس تخبطا في السياسة المالية وتؤكد حقيقة أن النفقات أكبر من الواردات.
ولعل أبرز المؤشرات المثيرة لقلق المراقبين والاقتصاديين، هي أزمة نقص السيولة النقدية التي تتصاعد في العراق نتيجة توسع الحكومة في تنفيذ المشاريع الخدمية والاستمرار في التعيينات رغم تضخم الجهاز الإداري، في الوقت الذي يشكو فيه البلد من انخفاض موارده المالية عقب انخفاض أسعار النفط والقيود الأمريكية على تحويلات الدولار إلى العراق، ما ينذر بمخاطر جدية على استمرارية توزيع رواتب الموظفين والمتقاعدين والرعاية الاجتماعية.
وانطلقت في الآونة الأخيرة، تحذيرات عديدة من سياسيين وخبراء الاقتصاد بعد وقوع العراق في أزمة نقص السيولة المالية، نتيجة سوء إدارة الملف الاقتصادي.
فقد كشف رئيس لجنة الاقتصاد والصناعة والتجارة النيابية، ياسر الحسيني، أن إعلان الحكومة إفلاسها النقدي في وقت مبكر يُعد محاولة لتحريك الشارع.
وقال الحسيني في تصريح لوسائل الإعلام: «لا تزال صورة الاقتصاد العراقي مشوهة»، وأن «هناك تخوفًا شديدًا من عدم وجود سيولة مالية، وما ذهبت إليه الحكومة من إعلان مبكر لإفلاسها النقدي يُعد محاولة لتحريك الشارع لدعمها»، مشيرا إلى دعوة الحكومة، المواطنين للتبرع، «لاصلاح أوضاع المدارس»، لافتًا إلى أن «هذا الإعلان يمثل إقرارا مسبقا بإفلاس الموازنة النقدية».
وأضاف: «ما لم تكن هناك موازنة واقعية وجداول موازنة بعيدة عن المنظومتين الانتخابية والسياسية، فلن تكون هناك خدمات تلبي طموحات المجتمع والمواطن العراقي، ولن يكون هناك نهوض بتشغيل الأيدي العاملة العاطلة والخريجين».
وأكد أن «الحكومة لم تفِ حتى الآن بالتزاماتها، وخاصة تعهدها بمكافحة آفة الفساد، كما لم تُراعِ قطاع الزراعة، ولم تُولِه أي اهتمام. وسنمر بصيف جاف جدا وقاسٍ بسبب نقص الكهرباء».
وفي السياق ذاته، أعلن عضو اللجنة المالية النيابية، مصطفى الكرعاوي، أن الوضع المالي في البلاد يشهد تراجعا خطيرا، محذرًا من أن الحكومة تعاني قصورًا واضحًا في إدارة الملف الاقتصادي وسط تصاعد الصراعات السياسية. وقال الكرعاوي في لقاء تلفزيوني، إن «عدم الاستقرار الإقليمي ينعكس بشكل مباشر على الوضع المالي في العراق، لا سيما مع ارتفاع سعر صرف الدولار وعدم وضوح الرؤية في السياسة الاقتصادية».
وحذر الكرعاوي، من مغبة اعتماد الحكومة على نفس جداول الموازنة للعام الماضي، مؤكداً أن الاستمرار بتثبيت سعر النفط عند 70 دولاراً للبرميل يشكل «مجازفة حقيقية» في ظل تراجع متوقع للأسعار قد يصل إلى 52 دولاراً، مع عجز يقدر بـ19 ترليون دينار، مشددا على أن «بناء موازنة بهذه الأرقام يعد انتحاراً مالياً ويضع الدولة في حرج حقيقي تجاه تسديد مستحقات الشركات المنفذة للمشاريع»، مضيفاً أن «الجداول لم تصل حتى الآن، وإذا تم إرسالها بنفس النسخة السابقة، فإن العراق يتجه نحو كارثة اقتصادية»، منوها إلى أن «الحكومة فشلت في تعظيم الإيرادات غير النفطية». وختم بالقول» «اللجنة المالية النيابية شبه معطلة حالياً، وإدارة الأموال تعاني من خلل واضح، ما يتطلب إعادة ترتيب الأولويات، ودعم الاقتصاد الداخلي لتخفيف الضغط عن المواطن».
ولتغطية العجز المالي الكبير، لجأت الحكومة إلى الدين الداخلي عبر طرح سندات مالية بقيمة تفوق 7 تريليونات دينار (نحو 5 مليارات و400 مليون دولار)، واستنزفت أكثر من 3 تريليونات دينار من الأمانات الضريبية لتأمين الرواتب، حسب ما أكده الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي.
المرسومي حذّر من أن هذا الاتجاه يُنذر بمزيد من التدهور المالي، خصوصاً مع الانخفاض المستمر في أسعار النفط التي قد تصل إلى ما دون 60 دولاراً في الأسابيع المقبلة، ما يعمّق الفجوة بين الإيرادات والنفقات التشغيلية.
وفي خطوة تعكس عمق الأزمة المالية التي تمر بها الحكومة، سمح مجلس الوزراء، لوزارة المالية بسحب أكثر من 3 تريليونات دينار من حساب الأمانات الضريبية التابعة للشركات، لتغطية رواتب موظفي الدولة.
وجاء هذا القرار، بناء على طلب طارئ من وزيرة المالية خلال جلسة مجلس الوزراء المنعقدة في نيسان/ابريل الماضي، بما يشير بوضوح إلى تفاقم أزمة السيولة، رغم أن العراق حقق إيرادات نفطية تجاوزت 30 تريليون دينار خلال الربع الأول من العام الحالي، بمعدل سعر بلغ 72 دولاراً للبرميل.
وأثار القرار موجة حادة من الانتقادات والمخاوف، إذ أن سحب الحكومة للأموال من المصارف عزز فقدان الثقة بشفافية وإدارة السياسة النقدية، نظرا لوجود سابقة بالاستيلاء على أموال الأمانات الضريبية من قبل «مجموعة نور زهير» في ما يعرف بصفقة القرن من المصارف الحكومية.
عضو اللجنة المالية النيابية، النائب جمال كوجر، أكد بدوره، خلال حديثه في لقاء تلفزيوني تابعته «القدس العربي» أن «الموازنة الثلاثية أدخلت العراق في عجز حقيقي، وان الحكومة تلجأ إلى الأمانات لسد النفقات»، لافتًا إلى أن «الوضع الاقتصادي للبلد هو ما دفع الحكومة للذهاب نحو سحب الأمانات. فالعجز الحقيقي من جهة، والفساد من جهة ثانية، واعتماد الدولة الريعي شبه الكلي على النفط وانخفاض أسعاره من جهة ثالثة، كلها عوامل ساهمت في تفاقم الأزمة».
وإزاء انخفاض أسعار النفط، توقع الخبير الاقتصادي، صفوان قصي، أن يواجه العراق خسائر مالية كبيرة قد تقترب من 10 مليارات دولار في حال استمرار انخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية.
وقال قصي، إن «الموازنة العراقية كانت مبنية على سعر افتراضي للنفط قدره 70 دولارا للبرميل في حين أن أسعار النفط حالياً تتراوح حول 60 دولارا ما يعني أن العراق سيتكبد خسائر كبيرة إذا استمر هذا الانخفاض طوال العام».
واقترح بعض الحلول للتعامل مع النقص المالي أبرزها ترشيد الاستهلاك المحلي للمنتجات النفطية وزيادة الإنتاج والتصدير منوها أن «زيادة صادرات العراق النفطية ستكون ضرورية لتفادي تأثيرات انخفاض أسعار النفط كما أن العراق يملك فرصة كبيرة لزيادة صادراته من السلع غير النفطية مثل الأسمنت والفوسفات والبتروكيميائيات».
وأضاف قصي، أن «ضبط المنافذ الحدودية واتباع سياسة كمركية واضحة سيساهم في تعظيم الإيرادات، إضافة إلى تحسين الجباية في مجالات مثل الماء والكهرباء».
ويذكر أنه رغم الدخول في الشهر الخامس من عام 2025، فإن حكومة بغداد لم تقدم ميزانية هذا العام إلى مجلس النواب حتى الآن.
وفيما أكد عضو اللجنة المالية البرلمانية جمال كوجر، أن «الحكومة العراقية ليست لديها أي جدية في إرسال جداول موازنة سنة 2025، بسبب معاناتها من عدم توفر السيولة النقدية اللأزمة»، فإن عضو اللجنة المالية النيابية، معين الكاظمي، ذكر «أن الحكومة حاليا بصدد تقدير الإيرادات بعد انخفاض أسعار النفط حوالي 5 دولارات عن ما أُقر في الموازنة (70 دولاراً) ما يؤثر على الإيرادات».
ورأى الكاظمي، أن «الحكومة غير جادة في إرسال جداول موازنة معدلة لعام 2025، وستمول المحافظات والوزارات حسب الموجود لديها وهذا ما يجري حالياً لتغطي ما يقارب 140 تريليون دينار احتياجات العراق لعام 2025».
وأكد أن «الحكومة تسعى جاهدة لتوفير هذا المبلغ من خلال تصدير 3 ملايين و300 ألف برميل نفط يومياً، وتعظيم الإيرادات غير النفطية من هيئة الضرائب والمنافذ الحدودية والجمارك والإعلام والاتصالات وجباية وزارة الكهرباء وجباية البلديات وعقارات الدولة وما يمكن توفيره من سيولة لتمشية عام 2025 في الجانب التشغيلي».
وفيما يخص حجم الموازنة الحالية، ذكر الكاظمي أن «موازنة 2023 كانت بقيمة 199 ترليون دينار ثم تم تعديلها في 2024 إلى 211 ترليون دينار»، مؤكداً أن «الواقع الاقتصادي يشير إلى أنه من غير الممكن صرف أكثر من 150 ترليون دينار، بسبب انخفاض الإيرادات النفطية».
يذكر أن المستشار المالي والاقتصادي لرئيس الوزراء، مظهر محمد صالح، أشار إلى أن سبب تأخير إرسال جداول موازنة 2025 إلى مجلس النواب لغاية الآن، يعود إلى «تعديلات تخص تكاليف استخراج ونقل نفط إقليم كردستان، إضافة إلى انخفاض أسعار النفط عالميا، ما تطلب إعادة النظر في سُبل الاحتساب».
ويتوقع العديد من الخبراء الماليين، أن لا يشهد العراق موازنة في 2025، نظرا لقلة الموارد المالية، إضافة إلى كونها سنة انتخابية وتسعى الحكومة فيها لتقديم بعض الخدمات لإرضاء الشارع، لذا فهي تلجأ إلى الدين الداخلي من المصارف وموجودات وزارة المالية.
ومع تعمق مسببات الأزمات المالية المتراكمة، وسوء إدارة الملف المالي والاقتصادي في العراق، فالمؤكد أن البلد على حافة أزمة مالية شاملة، في ظل غياب خطوات جادة لتقليل الاعتماد على النفط، وزيادة الإيرادات غير النفطية، وضبط الإنفاق، وتفعيل أدوات الرقابة والمحاسبة، إضافة إلى مكافحة الفساد.

مصطفى العبيدي

© جميع الحقوق محفوظة لوكالة الشريط الإخبارية 2024
تصميم و تطوير
Update cookies preferences