لامين يامال وجائزة «الكرة الذهبية»

{clean_title}
الشريط الإخباري :  

كم مرة أطلقت الصحف والمواقع الرياضية اسم ميسي الجديد، خليفة ميسي، ميسي اللاتيني، ميسي الإنكليزي، وهكذا؟ لكن ظل القاسم المشترك بينهم أنهم ذهبوا جميعا مع الريح، أما موهبة برشلونة المتفجرة لامين يامال، فلا يشبه أحدا، كأول مرة في تاريخ الساحرة المستديرة، يظهر فيها مراهق بعمر 17 عاما، لكن بإمكانيات وعقلية وشخصية لاعب في النصف الثاني من عقد العشرينات، والمثير للدهشة والاستغراب، أن هذا التحول الكبير في مسيرته، حدث في فترة لا تتجاوز العام الميلادي، تحديدا بداية من مساهمته في تتويج منتخب إسبانيا بكأس الأمم الأوروبية في صيف 2024، مرورا بحالة التوهج التي كان عليها في بداية عمله تحت قيادة المدرب هانزي فليك، نهاية بوصوله إلى قمة الانفجار الكروي، بتلك الطريقة التي صدر خلالها كل أنواع الذعر والإرهاب الكروي لخط دفاع الإنتر في مباراتي نصف نهائي دوري أبطال أوروبا، وتبعها بالخيال العلمي الذي قام به في ليلة افتراس الغريم التقليدي ريال مدريد للمرة الرابعة على التوالي هذا الموسم، ما فتح الباب على مصراعيه أمام الصحف والمواقع الرياضية العالمية لوضع اسمه في جمل مفيدة مع جائزة «الكرة الذهبية»، كأفضل لاعب في العالم هذا العام، حتى أن بعض النقاد والمتابعين، يتفقون على أنه بات الأوفر حظا للظفر بالجائزة الفردية الأكثر أهمية عالميا، والسؤال الذي يفرض نفسه: كيف تحولت مسيرة يامال بهذه السرعة تحت قيادة فليك؟ هذا ما سنسلط الضوء عليه في التقرير الآتي.

غير واقعي

الشيء المؤكد والمتفق عليه، أن يامال أثبت بما لا يدع أي مجال للشك، أنه حسم مسألة فوزه بجائزة أفضل لاعب شاب في العالم، بعد تألقه اللافت مع منتخب لاروخا في اليورو الأخير، ثم بالنسخة المهيبة التي بدا عليها في الأشهر والأسابيع الحاسمة هذا الموسم، لكن ماذا عن أحقيته بالفوز بـ«البالون دور» أو «ذا بيست» من قبل الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)؟ للإجابة على هذا السؤال، ينقل موقع «Goal» العالمي عن سفاح مانشستر سيتي إيرلينغ براوت هالاند قوله عن جوهرة برشلونة النفيسة في تعليق على منصة «سناب شات» الاجتماعية «هذا الرجل مذهل»، أما جناح نادي آرسنال بوكايو ساكا، فقد واجه صعوبة في وصف يامال، قائلا: «بصراحة. ما الذي يمكنك قوله عن أدائه في سنه؟ نتحدث عن موهبة غير واقعية، إنه ليس طبيعيا. لا أحد يفعل ذلك بعمر 17 عاما»، وحتى وقت كتابة هذه الكلمات، يبدو وكأن الشاب الإنكليزي محقا في وجهة نظره، لأنه ببساطة لم يسبق لأحد أن بلغ هذه الدرجة والنضوج الكروي في مثل هذه السن، بما فيهم الثنائي الأعظم في التاريخ المعاصر ليونيل ميسي وكريستيانو رونالدو، ومن قبلهم جوهرة البرازيل السوداء بيليه، وما يدعم هذه الفرضية هم خصوم الأمس، أو ضحاياه في مباراتي نصف نهائي دوري الأبطال أليساندرو باستوني وفيديريكو ديماركو وباقي أفراد أقوى خط دفاع في إيطاليا وأوروبا، الذين أجمعوا على أنهم لم «يتعرضوا لهذا الكم المخيف من الضغط والشراسة» منذ الخسارة أمام نفس اللاعب في اليورو في ملحمة إيطاليا وإسبانيا، حتى مدربهم سيموني إنزاغي قال بعد مباراة الذهاب: «لامين موهبة تظهر مرة واحدة كل 50 عاما، ورؤيته عن قرب أبهرتني حقا. لقد تسبب لنا في مشاكل كبيرة، حيث اضطررنا لمضاعفة دفاعنا في كل مرة، لكن ذلك لم يكن كافيا. اضطررنا لإشراك ثلاثة لاعبين لمهاجمته، ومن الواضح أن المساحات أتيحت لنا في أماكن أخرى، واضطررنا إلى الدفاع في عمق الملعب»، في ما يمكن اعتباره بالاعتراف الصريح بأن لامين بات اللاعب الأكثر إثارة للخوف، أو بلغة المدربين والمعلقين «اللاعب الذي لا يتمنى أحد مواجهته في الحوارات المباشرة». صحيح مدرب الفريق فليك، يضم كوكبة من المواهب من الطراز العالمي، في القلب منهم المهاجم البرازيلي رافينيا، الذي ساهم في تسجيل أكثر من 20 هدفا في دوري أبطال أوروبا، أكثر من أي لاعب في الكأس ذات الأذنين، ومعه بيدري المرشح الآخر للمنافسة على «البالون دور»، لكن بالنظر إلى البلوغرانا في غياب يامال عن التشكيل الأساسي لا يكون نفس الفريق المهيب الذي سيطر على كل البطولات المحلية في إسبانيا، ولولا التفاصيل البسيطة، لكان الطرف المنافس لباريس سان جيرمان في المباراة النهائية للأبطال، نتحدث عن لاعب عندما تعرض للإصابة في منتصف الموسم، خسر الفريق مرتين خارج القواعد أمام ريال سوسييداد، وعلى أرضه أمام أتلتيكو مدريد، بالإضافة إلى السقوط في فخ التعادل الإيجابي أمام سيلتا فيغو، غير أن البارسا لم يفز سوى مرتين من أصل أربع مباريات بدأها ظاهرة العصر على مقاعد البدلاء، حتى هاتين المباراتين، كان الفريق في الطريق لخسارتهما قبل إشراكه، بما في ذلك الإحراج أمام بلد الوليد الذي هبط إلى دوري القسم الثاني الإسباني، وهو التأثير الإيجابي الذي أعاد إلى الأذهان ما كان يفعله البرغوث ليونيل ميسي في ذروة تألقه مع الجيل الذهبي للبارسا، بالأحرى عندما كان يبدع ليو في صنع الفارق لفريقه عندما تتساوى الكفة مع الخصوم، كمؤشر على أن المراهق الذي سيحتفل بعيد ميلاده الـ18 في يوليو/ تموز المقبل، يبدو وكأنه مؤهلا لمحاكاة مسيرة بطل العالم في «كامب نو»، شريطة أن يحافظ على التألق لأكثر من 10 سنوات، تماما كما قال نجم البارسا السابق دي بور لقناة «توك سبورت» الإنكليزية، مشيرا إلى أنه في حال استمر على مستواه المذهل حتى نهاية عقد الثلاثينات، ستكون أمامه فرصة عظيمة لتهديد عرش ليو، قائلا: «قبل وضعه في مقارنة مع ميسي، دعونا نسأل هل يستطيع الحفاظ على حماسه؟ هل يستطيع الحفاظ على لياقته البدنية؟ هل يستطيع الحفاظ على تركيزه؟ لكن حتى الآن بالنسبة لي لا يزال ميسي أفضل من رأيته على الإطلاق، ولو أنه من مباراة لأخرى يثبت يامال أنه يشكل تهديدا حقيقا لميسي، فهو بهذا العمر وأداؤه المبهر، يبدو أكثر تطورا من ميسي، الذي بدوره لم يبدأ مسيرته بشكل حقيقي إلا في سن 21 عاما»، ما يعني أنه ما زال من المبكر الحكم على مسيرة لامين ووضعه في مقارنة مع الهداف التاريخي للبارسا والليغا، قبل حتى أن يظهر قدرته ومرونته على تطوير أدائه، كما فعل ليو بعد تقدم في السن، من جناح أيسر مهاجم، إلى مهاجم وهمي وهداف، وقادر على بدء الهجمات وإنهائها بنفس الجودة والكفاءة، لكن على أرض الواقع، يصنف كواحد من أفضل ثلاثة لاعبين في العالم في الوقت الحالي، وإذا استمر على نفس المنوال في السنوات القادمة، لن يجد صعوبة بالغة في احتكار الكرة الذهبية لسنوات، كما فعلها ميسي ثماني مرات، منها خمس مرات على التوالي في الفترة بين عامي 2008 و2012.

مشروع أسطورة

يقول المدرب الألماني فليك: «كلما كانت المباراة أكبر، كان أداء يامال أفضل»، وما يدعم وجهة نظر فليك، سجل لامين المبهر في المباريات الجماهيرية الكبرى، مثل مشاركته إما بهدف أو بتمريرة حاسمة في 4 مباريات كلاسيكو ضد ريال مدريد هذا الموسم، بجانب المشاركة بأكثر من نصف أهدافه في دوري الأبطال في مراحل خروج المغلوب، دليلا على أنه من النوعية النادرة، التي تُجيد اللعب تحت الضغوط الإعلامية والجماهيرية، وهذا الأمر كان واضحا في تعليقات خصوم البارسا، وخصوصا جماهير الإنتر على مواقع التواصل الاجتماعي، بما يمكن وصفه بشبه إجماع على أن مواجهة لامين يامال، أشبه بالكابوس الذي لا يتمناه أحد، نتحدث عن لاعب مراهق، لكن في الوقت ذاته، يُنظر إليه على أنه العقل المدبر وحامل أختام هجمات فريقه، بإتقان لا يُصدق لحركته وأسلوبه المختلف تماما عن ميسي، كلاعب صعب الوقوف أو التعامل مع قراراته الفردية، خاصة عندما يعبث بقوانين الفيزياء والطبيعة، بمراوغة لاعب واثنين وأحيانا ثلاثة في ربع متر، على عكس أسطورة الأرجنتين، الذي كان يعتمد في نفس المرحلة السنية على سرعته وذكائه في اللعب على حركة المنافس، بانتظار لحظة معينة لتجاوزه من ناحية القدم الثابتة، بينما لامين، فلا يعتمد أبدا على عنصر السرعة، بل على سحره ودهائه في بعثرة المدافعين في المواجهات المباشرة، بدليل أنه صاحب أعلى معدل مراوغات في الأبطال، والفائز بأكبر عدد من الالتحامات، إضافة إلى المتعة البصرية التي يقدمها لعشاق الفن الكروي الأصيل، من تمويه مخيف للخصوم، وأسلوبه الانسيابي السهل في المرور من المدافعين، بطريقة تجعلنا نشعر وكأن كرة القدم لعبة بسيطة، لكن في حقيقة الأمر، ما فعله في دفاع مثل الإنتر، عجز مانشستر سيتي في ذروة جيل دي بروين الذهبي على فعله في المباراة النهائية لدوري الأبطال، التي ربما لو تكررت بنفس السيناريو 10 مرات، لما حسمها السكاي بلوز بهذه الطريقة، ببساطة هذا الفتى الذي قد يكون طائشا في حياته الاجتماعية مع الأهل والأصدقاء المراهقين، هو العلامة الفارقة أو السلاح الفتاك الذي يعطي المدرب فليك ميزة «الردع» والعودة المذهلة أمام المنافسين، حتى لو تأخر بهدفين نظيفين، كما شاهدنا جميعا مرتين أمام الإنتر، وفي كلاسيكو الأرض الأخير أمام الريال، لذا لن تكون مفاجأة كبيرة، إذا أُعلن فوزه بالكرة الذهبية في حفل العاصمة الفرنسية باريس، وإن لم يحدث وذهبت لمحمد صلاح أو رافينيا أو بيدري، فبنسبة كبيرة ستكون في حوزته في المستقبل غير البعيد، تماما كما وعد والده بإخضاع الكأس ذات الأذنين في قادم المواعيد.

© جميع الحقوق محفوظة لوكالة الشريط الإخبارية 2024
تصميم و تطوير
Update cookies preferences