الفتنة الطائفية في سوريا مصدرها «ذباب إلكتروني» خارجي

{clean_title}
الشريط الإخباري :  

خلص تحقيق صحافي مثير إلى أن الفتنة الطائفية التي شهدتها سوريا مؤخراً، وحالة التراشق وتبادل الشتائم على أسس طائفية عبر شبكات التواصل الاجتماعي، كان يتم إشعالها من خلال «جيش إلكتروني» أو ما درج على تسميته «ذباب»، لكن المثير في الأمر أن هذا «الذباب الإلكتروني» لا علاقة له بسوريا وليس موجوداً في داخلها وإنما تقف وراءه جهات أجنبية تريد إشعال التوتر في أوساط السوريين.
وشهدت النقاشات حول سوريا على شبكات التواصل الاجتماعي، وخاصة «إكس»، منذ سقوط نظام بشار الأسد في كانون الأول/ديسمبر الماضي، تصاعداً في نشر خطاب الكراهية والطائفية، إضافة إلى تزايد في وتيرة المعلومات المضللة والأخبار الكاذبة.
وتبين من تحقيق صحافي مستقل أجرته شبكة «بي بي سي» في بريطانيا أن هذا التراشق الطائفي والفتنة ناتج عن عمل شبكات من الحسابات الخارجية التي تُدار بشكل ممنهج لإطلاق حملات إلكترونية موجهة ضد الأقليات الدينية.
ورصد فريق «بي بي سي» أكثر من مليوني منشور مرتبط بالحدث السوري منذ سقوط نظام الأسد على منصة إكس، وحلّل عيّنة تشمل أكثر من 400 ألف منشور، احتوت على تضليل وكراهية، من قبل مؤيدي ومعارضي الإدارة السورية الجديدة ورئيسها أحمد الشرع.
وبيّن التحقيق استعمال القائمين على هذه الحملات أساليب متشابهة، مثل تلفيق روايات للتأثير على الرأي العام، وإعادة نشر محتوى قديم، باعتماد أدوات أبرزها: تفعيل الحسابات المبرمجة والوهمية، والاستغلال الخوارزمي للسيطرة على الخطاب الإلكتروني.
ولفتت «بي بي سي» إلى أن فريقها فحص 50 ألف منشور ضمت «ادعاءات كاذبة أو غير موثوقة ضد الإدارة السورية الجديد»، ليتبين أن «60 في المئة من هذه المنشورات صادر عن حسابات حَدّدت أدوات التحليل موقعها الجغرافي خارج سوريا، خاصةً في العراق واليمن ولبنان وإيران».
واعتمدت هذه الحسابات على نشر أخبار كاذبة أو إعادة نشر مقاطع فيديو قديمة على أنها حديثة ومرتبطة بالوضع الحالي. كما أنها نشرت المحتوى نفسه في أوقات متزامنة، ما يدل على أنها جزء ممّا وصفه التحقيق بأنه «عملية تلاعب منسّق». ومن الأمثلة على ذلك، انتشار فيديو على منصة إكس، في كانون الأول/ديسمبر الماضي، يزعم أنه يوثق تدمير رجل «من عصابات الجولاني»، حسب وصف ناشريه، تمثالاً لمريم العذراء. قبل أن يتبين لاحقاً أن المقطع يعود إلى العام 2013. وحدّد الموقع الجغرافي للحسابات التي نشرت الفيديو بشكل واسع آنذاك في العراق.
ومثالٌ آخر، كان نشر حسابات متعددة في آذار/مارس الماضي، خبراً كاذباً على «إكس»، عن إعدام كاهن في كنيسة مار إلياس على يد ما وصفتها بأنها «عصابات الجولاني»، وجاءت المنشورات جميعها بالصياغة والصور نفسها. ونفت الكنيسة هذه المزاعم لاحقاً.
وعلى الجهة المقابلة، رصد فريق «بي بي سي» حملات إلكترونية مؤيدة للرئيس السوري أحمد الشرع، شاركت أكثر من 80 ألف منشور من حسابات تركزت معظمها في تركيا والسعودية. تحاول الحسابات التي تقف خلف هذه المنشورات تقديم صورة إيجابية عن الشرع قائداً جديداً للبلاد. وبطريقة مماثلة لشبكة الحسابات المناهضة للشرع، أظهرت شبكة الحسابات المؤيدة أدلة على وجود «تلاعب إلكتروني منسّق»، بحسب «بي بي سي».
وأوضح التقرير وجود مؤشرات عدة على أن حساباً معيناً ينتمي إلى جهة تدير حملات منظمة، منها نشر المحتوى بشكل متزامن، واتباع تسمية العديد من هذه الحسابات تسلسلاً رقمياً، مثل «قاصف 1» و«قاصف 2» و«قاصف 3»، أو أسماء تتكون من أحرف وأرقام عشوائية.
وحسب «بي بي سي» فقد ترافق تصاعد الخطاب الطائفي والتحريضي على «إكس»، مع تزايد العنف على الأرض في سوريا. وظهر ذلك بوضوح، مع التطورات الأمنية في الساحل السوري في آذار/مارس الماضي، ووقوع أعمال عنف طائفي استهدفت العلويين، وأدت إلى مقتل 1169 مدنياً، حسب المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، إذ انعكس ذلك سريعاً على منصة التواصل الاجتماعي، من خلال نشر خطاب الكراهية والمعلومات المضللة على نطاق واسع.
وأشار التقرير إلى أن الروايات المناهضة للحكومة تضمنت تقارير ملفقة جرى تداولها بشكل كبير، وذلك على الرغم من توثيق منظمات حقوقية عدة لحالات القتل والعنف ضد العلويين. في الوقت نفسه، كشف فريق «بي بي سي» عن وجود شبكة من الحسابات تحرّض ضد الطائفة العلوية في سوريا.
وتركّزت هذه الحسابات في كل من السعودية وتركيا، وكانت مسؤولة عن 100 ألف منشور، احتوى على إساءة وتحريض ضد العلويين، منذ تشرين الثاني/نوفمبر الماضي وحتى اليوم. واستعملت كلمة «كفار» لوصف العلويين في أكثر من 50 ألف منشور، كما وصفوا بأنهم «مجرمون» في 48 ألف منشور. كما احتوت بعض المنشورات على دعوات صريحة لقتل العلويين.
وتعتمد هذه الشبكة على نمط مماثل، فهي تشارك منشورات متشابهة، وأحياناً بالصياغة نفسها، في وقت متزامن. كما أن أسماء الكثير منها مكون من أحرف وأرقام عشوائية، ما يدل على أنها حسابات وهمية أُنشئت لأغراض معينة.
وتكرّر الأمر نفسه، مع اندلاع الاشتباكات في جرمانا، في ريف دمشق، أواخر إبريل/نيسان الماضي، بين قوات الحكومة السورية وأهالي البلدة من الدروز، إذ رصد فريق «بي بي سي» كمّاً كبيراً من المنشورات الطائفية والتحريضية على منصة إكس.
واعتبر الباحث في مختبر أبحاث الأدلة الرقمية، رسلان طراد، في حديث مع «بي بي سي»، أن النقاشات حول سوريا على المنصات الاجتماعية تعكس واقع البلاد المنقسم والمجزأ. كذلك، لفت إلى وجود أدلة على حملات تضليل طائفية منسقة عديدة تخدم أجندات إيرانية أو إسرائيلية. كما أن هناك العديد من الحسابات التي تُدار من تركيا والإمارات والسعودية ومصر، منخرطة في التأجيج الطائفي، مع حضور لافت للحسابات الروسية، حسب تعبيره.

© جميع الحقوق محفوظة لوكالة الشريط الإخبارية 2024
تصميم و تطوير
Update cookies preferences