أزمة الإدارة في عباءة الفريق
“قالوا لئن أكله الذئب ونحن عصبة إنا اذا لخاسرون”
لم تكن هذه الاية مجرد دفاع عابر من اخوة يوسف بل كانت تعبيرا رمزيا عن واحدة من الظواهر المتكررة في الانظمة الادارية الحديثة وهي تذويب المسؤولية داخل الجماعة وتحويل الفشل الى قرار مشترك لا يحاسب فيه احد.
في بعض المؤسسات الإدارية قد يتحول مفهوم العمل الجماعي من اداة لتحسين القرار الى اطار فضفاض تتلاشى فيه حدود المسؤولية الفردية فتتخذ احيانا قرارات مؤثرة على المال المشترك دون دراسة وافية ثم تنسب الى لجان او تدرج ضمن ما يسمى توافقا اداريا مما يجعل من الصعب تحديد جهة المساءلة بشكل واضح.
يخشى احيانا ان تمر تعاقدات وتعيينات مؤثرة دون مراجعة حقيقية وحين تظهر اثارها السلبية لا يجد التحقيق من يحاسبه، فالجميع كان ضمن الفريق ولا احد يسائل احدا
وسرعان ما تتحول الجماعة من ضمانة للقرار إلى ذريعة لدفن المسؤولية.
تحت شعار نحن فريق واحد قد ترتكب اخطاء ادارية ومالية جسيمة ويقصى الكفء لصالح المقرب ويسكت المعترض بحجة الحفاظ على الانسجام ويصبح القرار الاداري فعلا جماعيا في الشكل لكنه في الجوهر انعكاس لعلاقات داخلية غير معلنة.
وحين تسوء النتائج ويبدأ البحث عن المتسبب يتم استدعاء الذئب كرمز للموظف الاضعف او الغائب او جهة خارجية تعلق عليها الاخطاء واحيانا يحمل الخطأ لتفصيل فني او سوء فهم للتعليمات وهكذا يبقى الهيكل الاداري على حاله دون مراجعة او تصحيح.
هذه العصبة التي تسوق كدليل انسجام قد تكون في الواقع اداة مقاومة لاي اصلاح حقيقي فالاصلاح يتطلب الاعتراف بالخلل اولا وتحديد المسؤول ثانيا والمحاسبة ثالثا وهذه الخطوات تصطدم احيانا بعقل جمعي يساوي بين الجميع ويخشى تسمية الامور باسمائها.
و قد لا يكفي تعديل التعليمات الناظمة او تشكيل لجان جديدة، بل لا بد من ربط كل قرار اداري مؤثر باسم واضح يتحمل تبعاته سلبا او ايجابا فالمساءلة لا تطبق على الجماعة الفضفاضة بل على الفرد الذي يملك القرار كما هو الحال في النظم المؤسسية الإدارية الرشيدة.
ربما لم يعد كافيا ان تعاد صياغة اللوائح بل اصبحت الحاجة ملحة الى ترسيخ المفهوم الاخلاقي للإدارة وتحويله الى ثقافة مؤسسية تفرق بين العمل الجماعي والتواطؤ وبين التعاون والمحاباة وبين المشاركة والتحلل من المسؤولية.
فالمؤسسة التي تعجز عن حماية يوسفها اي النزاهة والكفاءة والصوت الصادق لا تنجو من الخسارة حتى وان كانت عصبة فهي خاسرة لثقة الجمهور ولمصداقية القرار ولجوهر الخدمة العامة التي وجدت من اجلها.
فما أسهل أن نلوم الذئب وما أصعب أن نراجع أنفسنا ونقيم دور الجماعة في حماية القرار أو حرف مساره.








