الطفايلة وحمامات عفرا
كثر الحديث مؤخراً عن حمامات عفرا المعدينة والتي تقع على بعد أفقي قدره (26) كلم شمال مدينة الطفيلة، ولكن الوصول اليه من خلال طريق اقرب الى الكرك منه الى الطفيلة، مما يجعل المسافة بين الموقع ومدينة الطفيلة (45) كلم، يمكن إختصارها (20) كلم إذا ما نفذ الكيلومتر الأخير منه، على صعوبته الطوبوغرافية.
تقع ينابيع عفرا الساخنة والخدمات المساندة على طول الوادي في نقطة حيث يوسع الممر الضيق من النهر، وتقدر المساحة الإجمالية التي يحتلها موقع المشروع الصحي والترفيهي حوالي 8000 م2 ويتم توفير مرافق مختلفة على مستويات متعددة موائمة للتضاريس الطبيعية للموقع كونه ينحدر إلى الأسفل نحو قناة النهر، ويقدر الفرق في الارتفاع من أعلى نقطة إلى أدنى (25) متر تقريبا.
لقد تلقت حكومة المملكة الأردنية الهاشمية من خلال وزارة السياحة والآثار (MoTA) تمويل من الصندوق الاتئماني متعدد المانحين (MDTF) للتراث الثقافي والسياحة المستدامة/ البنك الدولي لتغطية التكلفة اللازمة لتطوير برنامج شامل للتنمية السياحية للمناطق التاريخية في اربد والطفيلة، وقد أحيلت الدراسة على إتلاف شركة إيطالية وشركة إستشارية أردنية، عملت من خلالها كمدير للمشروع في العام 2014، مما يمكنني من الحديث بمهنية ومعرفة عن الموضوع.
لقد شملت الخدمات الإستشارية إعداد وتطوير برنامج سياحي إستثماري أولي بما في ذلك دراسة جدوى اقتصادية للطفيلة وإعداد التصاميم التفصيلية ووضع خطط التنفيذ. وتضمن نطاق الأعمال الاستشارية استعراض الدراسات المنجزة وتطوير المعلومات الأساسية، وإعداد دراسة جدوى وإقتراح برنامج استثماري أولي، وإعداد التصاميم المبدئية (لحمامات عفرا) وإعداد التصاميم التفصيلية وخطة إدارة الموقع (قرية السلع).
لقد كانت الدراسة معمقة، شملت زيارات تفصيلية وصلت لإستخدام برك الحمامات واشدها حرارة كانت (المقلى) التي تصل حرارتها الى خمسين درجة مئوية، وإجتمعنا مراراً مع لجنة إدارة الموقع والتي كانت تعمل وفقاً لنظام إدارة مواقع عفرا والبربيطة والسلع في محافظة الطفيلة رقم (66) لسنة 2006. لقد إلغي هذا النظام بموجب المادة (11) من النظام رقم (23) لسنة 2014 نظام إدارة المواقع السياحية، وتوقف العمل بالحمامات لسنوات، حتى تم في العام 2022 توقيع إتفاقية بين وزارة السياحة والآثار مع جمعية أبناء ضانا والقادسية التعاونية مدتها خمس سنوات لتطوير وإدارة الموقع.
إن العارف لخصوصية مجتمع الطفيلة يدرك بأن إستثمار الموقع سيكون مقيد، لأن الطفايلة يعتبروا الحمامات ملكية عامة، يجب أن تكون مفتوحة كمنتجع شعبي. وعليه، سيكون من الصعب إستقطاب مستثمر يعمل بأسس تجارية، ويفرض رسوم دخول وإقامة على غرار حمامات ماعين، لكي يحقق عائد على الإستثمار مجدي.
لقد قدمت الدراسة الشاملة التي اعدها الإتلاف بديلين تخطيطيين لتطوير الموقع، الأول يحافظ على موقع مواقف السيارات الحالي، وتجديد منطقة الشاليهات القائمة وزيادة عددها، بينما طرح البديل الثاني فكرة نقل مواقف السيارات وعمل مبنى إستقبال جديد وساحة واسعة للمشاة أمامه وزيادة عدد الشاليهات وإضافة منطقة للخيام وتزويد المنطقة بالمرافق الصحية والمظلات.
أما بخصوص نماذج الإستثمار، فقد تم طرح ثلاثة بدائل وفقاُ لمخططات التصميم الأول والثاني، وتم عمل نماذج مالية لكل منها، فعلى سبيل المثال لا الحصر، تم تحديد رسم الدخول للبديل الأول بحوالي ثلاثة دولار للشخص المحلي، وعشرة للأجنبي، بينما يرتفع الى أربعة دولارات للمحلي و (15) دولار للأجنبي بالبديل التطويري الثاني. نقطة التعادل خلال السنة الرابعة من التشغيل (الإيرادات مساوية للتكاليف) تقدر بنسبة 14% من الإيرادات المتوقعة، حيث بلغت نقطة التعادل للبديل الأول هي 433,000 دولار وللبديل الثاني 573,000 دولار.
معدل العائد الداخلي (IRR) هو معدل الفائدة الذي تكون عنده القيمة الحالية للعائدات النقدية المتوقعة من المشروع مساوية للقيمة الحالية للنفقات النقدية المتوقعة من المشروع، بلغ للبديل الأول 4.56 ٪ وللبديل الثاني 5,52 ٪ .
لقد تم تقديم ثلاثة خيارات من حزم الاستثمار للنظر في اختيار احدها من قبل وزارة السياحة والآثار، حيث كان الخيار الأول: إعادة تأهيل الموقع من قبل الوزارة، والخيار الثاني: إعادة تأهيل المشروع على أساس البناء والتشغيل ونقل الملكية (BOT) والخيار الثالث: إعادة تأهيل المشروع عن طريق إنشاء شركة مساهمة خاصة، وفقا لقانون الشركات الأردني بإجمالي رأس مال مدفوع حوالي 600,000 دولار امريكي، ويجب على الجهة الممثلة للحكومة الحصول على أسهم بما يعادل قيمة الموجودات الحالية وحقوق الامتياز، على أن يقسم رأس مال حمامات عفرا المعدنية (الشركة) إلى أسهم متساوية، بسعر سهم يتفق عليه. ويتم تشجيع المواطنين الأردنيين لشراء أسهم في الشركة، وينبغي أن يكون التركيز بشكل خاص على السكان المحليين من خلال العروض التشجيعية، ومن المستحسن تخصيص حوالي 25٪ من إجمالي الأسهم للمواطنين من محافظة الطفيلة. ويمكن تخصيص (100) سهم كحد أقصى لكل مواطن أردني، لضمان المشاركة الواسعة من المجتمع.
لقد إستثنت الدراسة التي عملت قبل عشر سنوات طرح المشروع كفرصة إستثمارية للقطاع الخاص، بناءً على خصوصية المحافظة التي كانت لا ترحب بإعطاء الموقع لمستثمر خارجي قد يضطر لفرض رسم دخول عالي بالنسبة للمجتمع المحلي. إن المتابع لكلام ممثلي الدوائر الرسمية والشعبية بلقائهم مع مجلس الوزراء بجلسته المنعقده بجامعة الطفيلة التقنية يوم الأثنين 26 أيار 2025 أصبح يسمع نغمة جديدة ترحب بإعطاء الموقع لمستثمر يعمل وفقاً لأسس تجارية ليحقق عائد على الإستثمار مجدي.
إن الأعمال المطلوبة من المستثمر كبيرة، مثل أعمال الحماية من الفيضان وتطوير البرك وإنشاء فندق، مما سيرفع الكلفة الإبتدائية التي سيحمّلها على رسم الدخول ليحقق عائد على الإستثمار مقبول. وتجدر الإشارة الى أن الموقع قد تعرض الى تدخلات إنشائية قاسية بإنشاء عبّارة صندوقية اسمنيتة بطول مئات الأمتار، اضرت بالمنظر الطبيعي الذي كان يتمتع به. إن إعادة الوضع الى ما كان عليه، مكلف جداً، وببقاء العبارة الصندوقية سيكون الموقع طارد للمستثمرين.
لقد إستمع رئيس الحكومة د. جعفر حسان الى المطالب بإستثمار الموقع، وقد أحسن بعدم إعطاء وعود قبل دراسة الملف بعناية، وأعتقد بأن إمكانية الوصول الى حل ممكنة، للوصول الى نموذج يوازن بيين المنتجع الشعبي والفندق الإستثماري.








