جيل مربّى على التيك توك: مين قتل الفكرة؟
في زمان مش بعيد، كانت الفكرة تِطلع من جرح، من قراءة طويلة، من سؤال بسيط يقلب طاولة. كانت تولد من وجع الحياة ومن حوارات السهرات، لما الجد يحكي والتلميذ يسأل، لما الجلسة تنتهي بصمت تفكير مش بضحكة سخيفة.
اليوم؟ الفكرة ما عاد إلها مكان. صارت عبء. عبء ثقيل على جيل تعوّد يستهلك مش ينتج، يسمع مش يفكر، يحاكي مش يبدع. جيل تربّى على "الريلز"، ترعرع بين "فلترات"، وبلغ نضجه على "اللايفات".
ما بنلوم الجيل... بنلوم الظروف الي شكلته.
هذا الجيل ما انولد تافه، بس تَربّى بتفاهة ممنهجة:
مدرسة بتشتغل بنظام الدرجات لا الفكر.
بيت مشغول بلقمة العيش، تارك التربية للموبايل.
إعلام بيصنع نجم من أي شخص عمل "ترند" سخيف.
دولة مشغولة بالأمن أكثر من العقل، وبالضبط أكثر من الحوار.
صار الواحد يحس إنو الفكرة "بتثقل الدم". إذا حكيت فكرة طويلة على السوشال ميديا، بطنّشوك. بس لو رقصت أو حكيت حكي فاضي بضحك، بصيروا يشاركوك. تخيل إنو مقطع لطفل يضحك على كلب بنشاف 5 مليون مرة، بينما محاضرة علمية نادرة بتجيب 500 مشاهدة!
إحصائية واقعية: في دراسة نُشرت سنة 2023 عن استخدام الشباب العربي للسوشال ميديا، تبيّن إنو 82% من الوقت الضائع يوميًا بين سن 15-30 بيكون على محتوى ترفيهي سطحي، مقابل أقل من 5% على محتوى تعليمي أو تثقيفي.
أثر نفسي عميق؟ جيلنا عم يصير عنده "إدمان إثارة"، يعني ما بصبر يسمع فكرة طويلة، أو يقرأ مقالة، أو يتأمل. بده إشي "يحركه" فورًا، يضحكه أو يصدمه. صار الذهن كسول… ما بدو يشتغل. بدو يُرفّه.
طب وهاي شو نتيجتها؟ النتيجة:
ضعف في مهارات التفكير النقدي.
سطحية في الفهم السياسي والديني والاجتماعي.
سرعة إطلاق الأحكام.
ضعف قدرة على التعبير.
وتراجع في الإبداع.
وأسوأ من هيك؟ صرنا نصدق الكذبة إذا كانت معمولة بشكل جذّاب. صار "المؤثر" عنده سلطة أخطر من أستاذ الجامعة. صار ابننا ياخد معلوماته عن الدين من واحد بلحية وفلتر، وعن الحب من واحدة بتحكي من السيارة، وعن الصحة من حلاق عامل حاله خبير تغذية.
طب شو نعمل؟
نرجّع قيمة الفكرة، بأي طريقة.
نقرأ، نكتب، نحكي لأولادنا قصص حقيقية.
نعلّمهم يسألوا، يرفضوا، يناقشوا.
نرجع نحب "العمق"، ونكره "التفاهة المغلفة".
نعمل محاضرات قصيرة بس صادقة، مقالات واضحة بس مثيرة.
نحتفل بالعقل مش بالجسد، وبالكلمة مش بالرقصة.
مش مهم إذا العالم صار سريع. المهم نظل ننتج فكر نقي، نبني حوار حقيقي، نزرع سؤال حقيقي في عقل هالجيل… حتى لو تعبنا. لأن الفكرة مش بس رأي… الفكرة مقاومة.








