أ.د رشيد عبّاس يكتب عن .. (التحول الغربي)
أ.د رشيد عبّاس
يرى الكثير من المهتمين اليوم أن الموقف الغربي تجاهالقضية الفلسطينية موقف فيه كثير من التعقيدوالتشابك, حيث يتراوح الموقف بين دعم حقوقالشعب الفلسطيني من جهة, وبين الحفاظ على أمنإسرائيل من جهة أخرى, وتتفاوت دول الغرب فيطبيعة ومستويات هذين الموقفين المتعاكسين, ويبقىالسؤال المحوري هنا: لماذا هذا التحول السريع فيموقف دول الغرب تجاه القضية الفلسطينية منذُلحظة إعلان ترامب زيارة بعض دول الخليج العربي؟قبل أن نجيب على مثل هذا السؤال علينا الوقوفعلى المواقف الغربية تجاه العديد من القضايا فيهذه العالم عبر مئات القرون.
في الحرب العالمية الأولى والثانية نجد أن الموقفالغربي كان متذبذباً بشكل عام لدرجة التغييراتالمفاجئة قُبيل اندلاع الحرب, كذلك نجد أن الموقفالغربي في قضية الاستعمار لبعض الدول شابهاكثير من التناقضات والتحولات على أرض الواقع, والقصص تطول حول الموقف الغربي المتغير بينالفينة والأخرى من الصين وروسيا وإيران والعالمالعربي.
الموقف الغربي من الحرب على قطاع غزة بدأ بشيء, واليوم ينتهي بشيء آخر, فقد بدأ هذا الموقف داعماًلإسرائيل بالسلاح والمال والخبرات العسكرية بكلسخاء, واليوم نجد أن هناك تراجع واضح ومُعلن فيمثل هذا الدعم المادي والمعنوي, وعلى رأس هذهالدول بريطانيا وفرنسا وألمانيا مثلاً, ويبدو أن لزيارةترامب الاقتصادية لبعض دول الخليج قلبت الموازينلدى كثير من دول الغرب.
دول الغرب بدأت تدرس بكل عناية مستقبلالاقتصاد الأوروبي خارج إطار الاقتصادالأمريكي, ومن هذا المنطلق سيشكل الاقتصادالأوروبي منهجاً جديداً, وذلك من خلال بناء شراكاتجديدة مع دول اقتصادية أخرى كالصين مثلاً, كردةفعل للشراكات الاقتصادية بين أمريكا وبعض دولالخليج العربي.
أمريكا ودول الغرب باتوا يتنافسوا على مواطنالاقتصاد في العالم, وسينتج عن ذلك اقتصاد شرقاوسطي جديد, فشرق أوسطي جديد لا يعنيبالضرورة احتلال دول من قبل دول أخرى أو ربما استعمارها من جديد, إنما يعني بالضرورة التحولات والتحالفات الاقتصادية الجديدة فيالشرق الاوسط, حيث ستشكل أمريكا ودول الخليجمن جهة كتلة اقتصادية قوية, وستشكل دول الغربوالصين من جهة أخرى كتلة اقتصادية مماثلة لها.
التحول والموقف الغربي تجاه القضية الفلسطينيةاليوم ليس له أية أثر أو أية معنى على الصعيدالسياسي على القضية الفلسطينية برمتها, إنما هوردة فعل اقتصادية مؤقته, سينتج عنها شراكاتاقتصادية بين الغرب ودول شرق أوسطية خارجدائرة دول الخليج العربي.
الحقيقة التي لا تقبل الشك أن تاريخ دول الغرببالنسبة للعالم العربي تاريخ مليء بالتناقضاتوالمفاجئات والتغيرات وعدم الالتزام, فقد تخلت كلمن بريطانيا وفرنسا سياسياً عن بعض الدولالعربية, تاركةً هذه الدول مرتعاً للروس والأمريكان, كيف لا وقد لعبت كل من بريطانيا وفرنسا دوراً كبيراًفي تأسيس دولة إسرائيل في فلسطين قبل عام1948 بعقود.. وكان ما كان.
وبعد..
علينا أن لا نتفاءل كثيراً بالتحول الغربي تجاهالقضية الفلسطينية اليوم, فالمبالغة في التفاؤل قد يضيع كثير من الحقوق المشروعة للأمة بشكل عام وللقضية الفلسطينية بشكل خاص.








