الأردن كان ضحية 5 حزيران: حرب لم يخترها وسلام لم يقرره

{clean_title}
الشريط الإخباري :  

في الخامس من حزيران عام 1967، اندلعت الحرب التي غيّرت خريطة الصراع العربي الإسرائيلي، وخلفت وراءها تداعيات ما زال العالم العربي يعاني منها حتى اليوم. ولعل من أكثر الدول التي دفعت ثمن هذه الحرب دون أن تكون صانعة لقرارها أو راغبة فيها هو الأردن، الذي وجد نفسه مجبرًا على دخول معركة لم يختر توقيتها، ولا أدار خططها، ولا جنى من نتائجها سوى الفقد والخسارة.

القرار بدخول الحرب لم يكن قرارًا أردنيًا مستقلًا، بل جاء تحت ضغط الشارع العربي المعبأ بخطاب الوحدة والمواجهة، وبسبب الضغوط الشديدة من القيادة المصرية آنذاك، التي قادت حملة إعلامية صاخبة جعلت من التردد في خوض الحرب خيانة قومية لا تُغتفر. الملك الحسين، رغم إدراكه للمخاطر، اختار الوقوف إلى جانب الشقيقة مصر، فوقّع اتفاقية دفاع مشترك معها قبل أيام قليلة من اندلاع المعارك، وأوكل القيادة الميدانية للقوات الأردنية إلى القيادة المصرية، بعد أن تلقى وعدًا قاطعًا من الرئيس جمال عبد الناصر بأن الطيران المصري سيوفر الغطاء الجوي اللازم لحماية الجبهة الأردنية. لكن هذا الوعد لم يكن سوى سراب، إذ لم يصمد الطيران المصري أمام الضربة الإسرائيلية الاستباقية، وسقط في سويعات الحرب الأولى، وترك الجبهة الأردنية مكشوفة تمامًا، تصارع بلا سند.

ورغم ذلك، لم يتراجع الأردن عن المواجهة. خاض جنوده معارك شرسة في القدس والضفة الغربية، وقاتلوا بشجاعة نادرة، دفاعًا عن الأرض والمقدسات، في ظل انعدام الغطاء الجوي، وقيادة غير أردنية، ومعنويات عربية منهارة على الجبهات الأخرى. لم يكن بوسع الأردن أن يصنع نصرًا، لكنّه أثبت أنه لم يهرب من المواجهة، ولم يتراجع عن مسؤوليته القومية، رغم أنه خُدع بوعود لم تتحقق، وزُجّ في معركة غير متكافئة.

وإذا كان الأردن لم يكن صاحب قرار في خوض الحرب، فإنه كذلك لم يكن صاحب الكلمة الفصل في مسار السلام. بعد الحرب، دخل النظام العربي في مرحلة تخبط طويلة، كانت فيها القرارات الكبرى تُتخذ في أماكن أخرى، بينما كان الأردن يحاول لملمة جراحه، والمحافظة على تماسكه الداخلي وسط موجات النزوح ومشاعر الانكسار. السلام جاء مفروضًا كما فرضت الحرب، سواء من خلال التطورات الإقليمية أو من خلال الواقع الدولي الجديد الذي أفرزته الهزيمة.

لقد خسر الأردن في حرب حزيران الضفة الغربية، بما تمثله من عمق ديمغرافي وتاريخي وديني، وعلى رأسها القدس، التي كانت تمثل رمزًا للسيادة والهوية، لكنه لم يخسر شرف المواجهة. بل على العكس، أظهر قدرة على الصمود السياسي والعسكري، وحافظ على استقراره في وقت كانت فيه عواصم عربية تهتز تحت وقع الصدمة والانقلابات. والمؤلم في تلك المرحلة أن الأردن، الذي قدّم ما استطاع في معركة غير متكافئة، لم يُنصفه التاريخ العربي الرسمي، وغُيّبت بطولاته عن كثير من السرديات القومية، التي فضّلت الترويج للشعارات على حساب الحقائق.

اليوم، وبعد مرور أكثر من خمسة عقود على تلك النكسة، يمكن أن نقول بوضوح وموضوعية إن الأردن لم يكن طرفًا متسببًا في الحرب، ولا صانعًا لقرارها، بل كان ضحية لخطاب عربي انفعالي، ووعود قيادية لم تُبنى على تخطيط أو واقع. خاض الحرب بشجاعة، وخسر الأرض، لكنه كسب احترام من ينظر إلى التاريخ بعيون الحقيقة لا بعواطف الهتاف.              

© جميع الحقوق محفوظة لوكالة الشريط الإخبارية 2024
تصميم و تطوير
Update cookies preferences