الأردن في معادلة «الحياد الجغرافي ـ السياسي»: الموقف معقد للغاية «عملياتياً» والعين على العراق
الحرب التي أعلنتها إسرائيل على إيران مجدداً في ظل تواطؤ أو ضوء أخضر أمريكي واضح وملموس، تفتح الباب على مصراعيه أمام احتمالات الاحتقان والتأزيم الإقليمي وأمام كل السيناريوهات فيما يختص بالنتائج والتداعيات تحديداً على الساحة الأردنية وسط معادلة تحاول فيها عمان أن تقول لكل الأطراف بأنها تحتفظ بحيادها.
ما يبدو عليه المشهد في عمان بعد سلسلة من البيانات والإفصاحات العسكرية والأمنية أن الحياد عملياتياً، يبدو صعب المنال، وإن كان يمثل حصيلة الموقف السياسي التقديري، فيما النغمة الرسمية ومن صباح الجمعة بدأت تشرح للرأي العام الأسباب العملياتية التي تطلبت إسقاط صواريخ ومسيرات إيرانية فوق الأراضي الأردنية على أساس تقديرات عمليات بأن تلك الوسائل كانت في طريقها للسقوط على مناطق مأهولة في المملكة.
اضطرار المؤسسات السيادية للشرح والتفصيل، إشارة مبكرة إلى مستوى حراجة الموقف في بلد مثل الأردن، جغرافياً وسيادياً، ضمن معركة من هذا الصنف، في معادلة لا تبدو سهلة؛ لا من توظيفه في سياق القدرة الفعلية على الحياد العملياتي ولا الاحتفاظ به؛ وذلك بسبب عدم توفر القدرة فعلياً على مغادرة الحياد باتجاه موقف معلن على الأقل في مسألة الحرب بين كيانين جارين، كلاهما -بالتقدير الأردني- لديه أجندات مع فارق بسيط لا ينكره في عمان سياسيون كبار، بينهم الدكتور ممدوح العبادي، يتمثل في أن الأجندة الإسرائيلية تمارس سلوكيات على الأرض تعادي المصالح الأردنية الأساسية والمباشرة.
الأردن لا يشعر بأنه في موقف حرج، وليس مضطراً إلا للتعافي والتعامل مع تداعيات هذه الحرب العسكرية التي يبدو أنها قد تطول هذه المرة بعدما رفضت تداخلاته ونصائحه الدبلوماسية للقنوات الأمريكية عدة مرات وفي اتجاهات متعددة.
ما فعلته الحكومة الأردنية هو الاستعداد، عملياتياً وعسكرياً وأمنياً ثم سياسياً وإعلامياً ودبلوماسياً، للحظة اندلاع هذا النزاع بمعناه الجديد.
معادلة الجغرافيا الأردنية تعود للواجهة عملياً، وتقفز باعتبارها أصل المسالة في أي تحديات تنتج عن حرب يمكن أن تتحول إلى حرب إقليمية مفتوحة، تعلق الجغرافيا الأردنية وسطها.
وهو ما يعيد المشهد برمته ليس فقط إلى عمليات تبادل للقصف تمت وعلقت الجغرافيا الأردنية وسطها في الماضي في الصراع بين الجانبين، ولكن أيضاً إلى المعادلة التي كان قد لفت النظر لها مبكرا عبر «القدس العربي» رئيس الديوان الملكي الأسبق الدكتور جواد العناني، وهو يعتقد بأن الأردن لديه هاجس أساسي إذا ما اندلع نزاع طويل الأمد عسكرياً بين إيران وإسرائيل، فكرته الحفاظ على الجغرافيا الأردنية وتحييدها وعدم تحولها إلى ساحة صراع قدر الإمكان.
ما يقوله العناني هنا هو ما تطابق وتوافق عليه فيما يبدو الحكومة الأردنية وهي تعلن عبر الناطق باسمها الوزير محمد المومني، مساء الخميس، مجدداً ومع بواكير مؤشرات الفجر التي أعلنت عن عمليات إسرائيلية عسكرية في العمق الإيراني، بأن الأردن ليس طرفاً في هذا الصراع، وبأن الأردن -وفقاً للمومني- لن يسمح باختراق أجوائه في هذا النزاع.
ما يقصده المومني سبق أن أوضحه سابقاً وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، عندما أشار إلى أن الأردن لن يسمح لأي من الطرفين، الإيراني والإسرائيلي، باستخدام الأجواء الأردنية.
عملياتياً، الحياد الفعلي معقد، بل يرى الخبراء أنه شبه مستحيل خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالصواريخ الأردنية التي ستحاول ضرب الكيان عبوراً للأردن، حيث يمكن التصدي هنا بصيغة تستفيد منها إسرائيل، فيما الكيان يمكنه أن يستخدم كل اللوجستيات الأمريكية في العالم ولا يحتاج الأراضي الأردنية وهو يضرب إيران.
الحرص على تفاصيل الحياد العملياتي هنا يصبح معقداً أكثر إذا طالت الحرب والعمليات العسكرية، حيث جزئية في غاية الأهمية والاستثنائية ولا يمكن تغليفها بقراءة سياسية أو التحدث عنها بالقراءة الإعلامية فقط. وتتطلب، كما حصل في عمان خلال الساعات القليلة الماضية، الإعلان عن تشكيل خلية الأزمة المختصة بالصراع الإيراني الإسرائيلي والحرب الإقليمية وانعقاد اجتماعات لهذه الخلية لتقليب كل الخيارات وكل الاحتمالات.
وهو ذاته الأمر الذي برر على الأرجح نصيحة الوزير المومني الأولية للأردنيين، بأن عليهم الانتباه للرواية الرسمية لما سيحصل لاحقاً، خصوصاً عند تداول الأنباء والصور والفيديوهات عن السلطات الرسمية، وعلى أساس القناعة بأن قرار بلاده الاستراتيجي سيبقى، وهو عدم التدخل في هذا الصراع. والأجواء الأردنية مغلقة على الاستخدام لأي من طرفي هذه المعركة التي تؤذي المنطقة وتمس بأمن الجميع في نهاية الأمر، بتقدير الأردن.
ما يقرأ من بين السطور هنا توقعات من وزير الاتصال المعني بالملف الإعلامي، تشير إلى أن أشرطة فيديو يمكن أن تظهر لاحقاً، وإلى أن روايات إعلامية من العراق واليمن وإيران ولبنان يمكن أن تتصدر للتحدث عن تصدي الدفاعات الجوية الأردنية لمقذوفات إيرانية مرسلة تجاه إسرائيل.
حسماً لأي التباس مسبق، أكد الوزير المومني أن بلاده أغلقت الأجواء، وشرحت المؤسسة العسكرية الأسباب الفنية والأمنية والعلمياتية التي دفعتها لإسقاط بعض الوسائل القتالية في الأراضي الأردنية، على أساس أنها كانت تهدد المواطنين والمناطق المأهولة.
مجرد الشرح والتفصيل، هنا دليل إضافي على الزاوية الحرجة أردنياً في التعاطي مع مسلسل العنف بعدما عرضته في المنطقة سلوكيات اليمين الاسرائيلي.
الآمال مرتفعة في التفكير السياسي الأردني بالتمكن من عملية عزل عملياتية عسكرية الطابع تعفي البلاد من النتائج السياسية لمثل هذا الصراع، إلا أن مشكلات الإطار العملياتي قد تبرز بين الحين والآخر، خصوصاً أن منظومة الدفاع الجوي الأردني هي في الأصل جزء من منظومة الدفاع الجوي الأمريكي تماماً مثل العربية في المنطقة.
عمان تعلم بأن إيران إن انزعجت أو تضايقت، تستطيع العبث ببعض الملفات والأوراق التي يمكنها المساهمة في إعادة إنتاج مشهد سلبي للعلاقة بين مظاهر ومؤشرات نفوذها في العراق، وبين الدولة الأردنية… هنا حصراً يمكن قراءة الأجراس كلها.
بسأم البدارين
القدس العربي








