الأردن بين نيران الشرق الأوسط: حياد ثابت وسيادة لا تُمس بقلم: ايهم حسين الضرابعه

{clean_title}
الشريط الإخباري :  

 

في مشهد إقليمي يزداد اضطرابًا ومع اشتداد التصعيد بين إيران وإسرائيل يجد الأردن نفسه في قلب الجغرافيا السياسية لكنه يثبت مجددًا أن الثبات على المبادئ والسيادة لا يحتاج إلى ضجيج بل إلى اتزان ووضوح موقف. هذا الموقف يعكس وعي القيادة وحرصها على حماية وطننا من الانزلاق في متاهات الصراعات الإقليمية.

منذ بدايات التوتر الأخير حرص الأردن على انتهاج سياسة الحياد الإيجابي رافضًا الانجرار إلى محاور متصارعة ومؤكدًا في الوقت ذاته أن سيادته خط أحمر لا يُسمح بتجاوزه. من وجهة نظري، هذا الخيار الحكيم يعبر عن فهم عميق للواقع الإقليمي وتعقيداته.
ففي حين احترمت إسرائيل المجال الجوي الأردني خلال تنفيذ ضربات دقيقة في العمق الإيراني اختارت إيران مسارًا مغايرًا مرسلة مسيّرات وصواريخ عبر الأجواء الأردنية دون تنسيق في خرق واضح للأعراف الدولية ولسيادة دولة ذات موقف مستقل

الرد الأردني لم يكن مجرد تصريح دبلوماسي بل كان فعليًا وعسكريًا حين أسقطت الدفاعات الجوية طائرات مسيّرة اخترقت الأجواء من الجهة الشرقية كان ذلك الرد رسالة صريحة مفادها أن الأردن وإن اختار الحياد فإنه لن يسمح لأي طرف باستغلال موقعه أو التجاوز على أمنه القومي. وهذا الموقف يؤكد أننا أمام دولة تحترم نفسها وتطالب باحترام سيادتها.

المفارقة أن إيران التي ما فتئت تصعّد في خطابها الإعلامي والعسكري وتروّج لنفسها كقوة لا تُرد ظهرت أمام العالم في لحظة الحقيقة أقل صلابة مما تدّعي فالدولة التي تقول إنها على بُعد خطوات من التحول إلى قوة نووية لم تستطع منع اختراقات إسرائيلية مباشرة في عمقها فلجأت إلى محاولات رد اعتبار عبر مسارات غير مباشرة كان من ضمنها المجال الجوي الأردني.

لكن الأردن برشده وحكمته لم ينجر إلى الاستفزاز فقد حافظ على موقف ثابت لا يُخفي احترامه للشعب الإيراني لكنه في ذات الوقت يرفض الزج بالأردن في معركة لا ناقة له فيها ولا جمل إلا الحفاظ على أمنه وسلامة مواطنيه. إن هذا التوازن في الموقف هو ما يجعلنا نشعر بالفخر تجاه وطننا.

ما يجب التوقف عنده هو هذا التوازن الأردني الذي أصبح نادرًا في منطقة لا تعرف سوى الحروب والصراعات فبينما تمارس قوى إقليمية لعبة العضلات فإن الأردن يقدّم نموذج الدولة التي تحترم نفسها وتُحترم دون أن تكون تابعة لأحد ودون أن تتخلى عن ثوابتها.

قد تكون هذه اللحظة مفصلية في إعادة تعريف أدوار بعض الدول في المنطقة لكن المؤكد أن الأردن لن يكون مجرد ممر أو هامش في صراعات الآخرين فكما أسقط المسيّرات أسقط معها وهم الهيمنة والعبور المجاني فوق سيادة دولة ضاربة الجذور.

© جميع الحقوق محفوظة لوكالة الشريط الإخبارية 2024
تصميم و تطوير
Update cookies preferences