مسرحيات الكنيست… وهم الديمقراطية وسلاح الترويض الناعم
بقلم المحامي علي عوني الرجوب
في أحد مشاهد ما يُسمّى بـ”الكنيست الإسرائيلي”، ظهر نائب من أصل فلسطيني في مواجهة حادة مع وزير في حكومة الاحتلال، تبادل فيها الطرفان الشتائم والصراخ، وانتهى المشهد بتصفيق، وتعليقات ساخنة على منصات التواصل، وكأننا أمام حلقة من برنامج واقعي، لا جلسة برلمانية.
اللافت في المشهد ليس محتواه، بل سياقه وتوقيته، والطريقة التي يُسوَّق بها. إذ لا يتوانى الإعلام الإسرائيلي وبعض الأصوات الغربية وحتى العربية عن إبراز هذه اللقطات على أنها دليل على “الديمقراطية الإسرائيلية”، وأن هذا الكيان يمنح الفرصة للعربي والفلسطيني بأن يكون جزءًا من مؤسساته، وأن يقول ما يشاء، حتى لو شتم وزيرًا في حكومة الاحتلال.
لكن الحقيقة مختلفة جذريًا. فما يجري داخل الكنيست ليس إلا مسرحية سياسية مدروسة، هدفها ليس إبراز التنوع، بل الترويج لقبول الاحتلال، والتطبيع مع فكرته على مستوى الوعي الجمعي، خاصة عند الفلسطينيين والعرب.
الفلسطيني الذي يظهر في الكنيست لا يملك سلطة فعلية، بل تمثيلًا رمزيًا في نظام يحتكم في جوهره إلى العقيدة الصهيونية التي تُقصي الفلسطيني وتُقصي قضيته من أساسها. وجوده هناك، وإن بدا صاخبًا ومتمردًا، لا يتعدى كونه وظيفة داخل هوامش المسموح. صوته لا يغيّر قوانين تهويد، ولا يوقف آلة الاستيطان، ولا يحمي أرضًا من المصادرة، ولا حياة من القتل.
الخطورة أن هذه المشاهد تُستخدم كأداة لإعادة تشكيل وعي الفلسطيني: بأن “الحل” ليس في النضال أو في رفض الاحتلال، بل في القبول بالواقع والانخراط فيه، والبحث عن مكاسب محدودة في ظل السيادة الإسرائيلية، حتى لو كانت هذه المكاسب مجرد فرصة “للشتم” تحت قبة البرلمان.
إنها دعوة غير مباشرة للفلسطيني ليقبل أن يكون أقلية محسوبة، يُمنح كوتا سياسية، ويسمح له بمساحة صوت، ولكن تحت سيادة من اغتصب أرضه، وهجّر أهله، ولا يزال يمنع عودته.
في النهاية، لا يجب أن ننخدع بهذه المشاهد. هي ليست انتصارًا، وليست دليلاً على توازن أو عدالة، بل فصل من فصول الترويض الناعم، الذي يريد من الفلسطيني أن يرضى بدوره كـ”جزء من اللعبة” لا كصاحب قضية.
وما بين التصفيق للمشهد والغفلة عن حقيقته، يضيع كثير من الوعي.








