ترخيص التداول في البورصات الاجنبية
ترخيص التداول في البورصات الاجنبية
بقلم د. بشار نايل الزعبي
جاء قانون تنظيم التعامل بالبورصات الاجنبية لسنة 2017 وتعليمات تنظيم تعامل شركات الخدمات المالية بالبورصات الاجنبية بالسماح للبنوك وشركات الخدمات المالية بممارسة نشاط التعامل بالبورصات الاجنبية او التوسط فيها لصالح الغير، بعد الحصول على موافقة هيئة الاوراق المالية وتحقيق الشروط والضمانات اللازمة للحصول على الترخيص. واصبح متاح للمستثمر الاردني الشراء و البيع في الاوراق المالية على اختلاف انواعها و العملات الاجنبية و المعادن الثمينه و اي سلع و ادوات مالية اخرى في البورصات الاجنبية من خلال شركات الخدمات المالية الاردنية المرخص لها من قبل هيئة الاوراق المالية والتي تتعامل مع وسيط مالي اجنبي مرخص له في بلده للتعامل في البورصات الاجنبية. وتتم عمليات البيع والشراء من خلال الحساب المجمع والمفتوح باسم الوسيط الاردني لصالح عملائه لدى الوسيط الاجنبي.
قد اتفهم مبررات المستثمر الاردني من التداول في البورصات الاجنبية والتي قد تحمل درجات مخاطر اعلى مقارنة مع سوق عمان المالي انها ناتجة عن تنويع الاستثمارات والوصول الى مجموعة اوسع من فئات الاصول والاقتصادات والصناعات، وتقليل مخاطر الاعتماد على اداء سوق عمان المالي. وقد يمكن أن يُساعد التعرض لدورات اقتصادية مختلفة في استقرار العائدات خلال فترات الركود المحلية. اضافة الى انه قد تُوفر الأسواق الناشئة أو الاقتصادات سريعة النمو إمكانات نمو أعلى من السوق المحلي. و قد تتفوق الشركات الأجنبية في القطاعات المزدهرة مثل التكنولوجيا والطاقة المتجددة والرعاية الصحية على الخيارات المحلية. كما ان التداول في الأسواق الأجنبية يتيح للمستثمرين الاحتفاظ بأصول بعملات متعددة، كما يُمكن أن تُوفر تقلبات العملات عوائد إضافية عندما تتحرك أسعار الصرف بشكل إيجابي. يضاف الى ذلك التحوط من المخاطر المحليةوخاصة الجيوسياسية منها وتحقيق عوائد أعلى وكفاءة سوقية من حيث احجام السيولة والتداول و آليات تسعير أكثر كفاءة. وقد تكون الأسواق الأجنبية رائدة في الصناعات المتطورة مثل الذكاء الاصطناعي، والمركبات الكهربائية، والتكنولوجيا الحيوية، والتكنولوجيا المالية و يمكن أن يوفر الاستثمار عالميًا التعرض لاتجاهات قد لا تكون موجودة في السوق المحلي.
ولكن على مستوى الشأن الاستثماري الداخلي، فان الترخيص للشركات المحلية في التداول في البورصات الاجنبية ساهم في فقدان جزء من رأس المال المحلي، فعندما ينقل المستثمرون المحليون أموالهم إلى البورصات الأجنبية، فإن ذلك يقلل من حجم رأس المال المتاح للاستثمار في الاقتصاد المحلي وتحديدا سوق عمان المالي، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى إبطاء النمو الاقتصادي المحلي، حيث قد تواجه الشركات المساهمة العامة والصناعات المحلية صعوبة في إيجاد تمويل مناسب للتوسع والتطوير، وهذا ما شهدناه من تراجعات في احجم التداول والسيولة النقدية في سوق عمان المالي خلال السنوات السابقة ، وتباعا قد تخسر الحكومة عائدات ضريبية محتملة كان من الممكن تحصيلها لو تم الاستثمار محليًا في توسيع قاعدة الشركات المساهمة العامة.كما من شأن ذلك زيادة تدفقات العملات الأجنبية إلى الخارج، فعندما يشتري المستثمرون أصولًا أجنبية، غالبًا ما يضطرون إلى استبدال العملة المحلية بعملة أجنبية، مما يؤدي إلى زيادة التدفقات إلى الخارج، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى انخفاض احتياطيات النقد الأجنبي. كما يساهم ذلك في انخفاض دعم سوق عمان المالي، فإذا أعطى المستثمرون الأولوية للأسواق الأجنبية على المحلية، فقد يؤدي ذلك إلى انخفاض الطلب على الأسهم والسندات المحلية وغيرها من الأدوات المالية. و قد يضر هذا بنمو الشركات وسوق عمان المالي، مما يجعله أقل تنافسية.
وبالعودة الى هيئة الاوراق المالية صاحبة الولاية في فتح باب التعامل امام راس المال الاردني في التداول في البورصات الاجنبية، فان رؤية الهيئة تنصب قي الارتقاء بسوق رأس المال الوطني ليكون مركزاً إقليمياً رائداً وجاذباً للاستثمار ومعززاً للثقة وداعماً للاقتصاد، ورسالتها محصورة في تعزيز وتنظيم وتطوير سوق رأس المال الوطني وهدفها الرئيسي دعم النمو الاقتصادي القابل للاستمرار من خلال تحسين بيئة الاستثمار في سوق رأس المال الوطني. في خضم هذه المسؤولية الوطنيةــ فانني لا ارى المبرر الرئيسي من جراء قوننة وترخيص تهجير راس المال الاردني الى الخارج، كان من الممكن استخدام الأموال المستثمرة في الخارج لتمويل البنية التحتية المحلية، أو الشركات الناشئة، أو غيرها من القطاعات الإنتاجية، وابقاء هذه الاموال داخل الاقتصاد الوطني، وبالتالي ضياع فرصة للحكومة لتحفيز التنمية الاقتصادية المحلية.
رغم تفهمي الى فوائد التكامل المالي العالمي، ومواكبة التكنولوجيا المالية، والانفتاح المالي على العالم الخارجي، وحرية الاستثمارضمن اطر قانونية حصيفة تحمي راس المال الوطني، الا انمسألة تحقيق التوازن لصالح تطوير سوق عمان المالي وادواته واعادة تعزيز سيولته النقدية وبين السماح بالوصول إلى البورصات الأجنبية يُعد أمرًا بالغ الأهمية لتشجيع الاستثمار المحلي، وتعزيز النمو الاقتصادي المحلي، والحفاظ على الاستقرار المالي، وبنفس الوقت الاندماج في الاقتصاد العالمي.خاصة فيما يشهده سوق عمان المالي من تراجع احجام السيولة النقدية والتداول خلال السنوات الماضية، وخروج شريحة واسعة من المستثمرين من السوق المالي قد يكون لصالح البورصات الاجنبية، وعدم ادراج شركات مساهمة عامة جديده منذ عام 2009.
لا يسمح المجال الخوض كثيرا في مخاطر الاستثمار في البورصات الاجنبية، ولكن ما يهمنا في هذا المقام ايضا ضمان حماية راس المال الاردني المستثمر في البورصات الاجنبية، وسلامه تسجيل ملكية المستثمر الاردني من الاوراق المالية وغيرها من خلال الحسابات المجمعة من خلال امناء معتمدين، وان الوسطاء الماليين الاجانب – المعتمدين للوسطاء الماليين الاردنيين- يتمتعون بتصنيفات ائتمانية عاليه، وسجل مهني نظيف، وبالتالي بقاء راس المال الاردني المغترب في امان تحت جميع الظروف، لا سيما ان اليات الحسابات المجمعة معقدة ومتداخلة، وان تغطيات المراكز المالية تحتاج الى رقابة فورية. على صعيد متصل، اتمنى على هيئة الاوراق المالية نشر تقارير دورية عن حجم الاموال الاردنية المستثمرة في البورصات الاجنبية من خلال شركات الخدمات المالية الاردنية المعتمدة محليا، ومقدار النفع العام والخاص محليا من التعرض للبورصات العالمية.
ودمتم برعاية الله ولطفه
د. بشار نايل الزعبي








