الأردن في مرمى التغير المناخي: بين التحديات الحارقة والحاجة إلى الدعم الدولي
يقف الأردن اليوم على مفترق طرق بيئي حرج، حيث تتقاطع تداعيات التغير المناخي مع محدودية الموارد الطبيعية والتحديات الاقتصادية والديموغرافية. وعلى الرغم من أن المملكة تُعد من أقل الدول إسهامًا في انبعاثات الغازات الدفيئة، إلا أنها من أكثر الدول تأثرًا بنتائج هذا التغير، مما يجعلها نموذجًا صارخًا لغياب العدالة المناخية على الصعيد العالمي.
يُعد الأردن من أفقر الدول مائيًا، إذ يواجه منذ سنوات طويلة أزمة مياه مزمنة تفاقمت بفعل انخفاض معدلات الهطول المطري وارتفاع درجات الحرارة وزيادة حالات الجفاف، وهو ما أدى إلى نضوب متسارع في المصادر المائية السطحية والجوفية على حد سواء. إن هذا التراجع الحاد في وفرة المياه بات يهدد قطاعات أساسية كالشرب والزراعة، ويقوّض الأمن الغذائي ويُضعف قدرة الدولة على التخطيط لمستقبل مستدام.
ولا تقف آثار التغير المناخي عند حد الشح المائي، بل تمتد لتطال القطاع الزراعي الذي بات يعاني من تقلبات مناخية حادة، وارتفاع في درجات الحرارة أدى إلى انخفاض الإنتاجية الزراعية وتآكل الرقعة المزروعة، مما تسبب بهجرة عدد من المزارعين نحو المدن وزيادة الضغط السكاني على المناطق الحضرية. ومع تفاقم هذه الظواهر، بدأت بوادر النزوح البيئي بالظهور، خاصة في المناطق الصحراوية والأطراف التي أصبحت غير قابلة للسكن أو الإنتاج.
ومن جهة أخرى، يواجه الأردن تحديًا في تحقيق التوازن بين الحاجة للطاقة والالتزام بالتوجه نحو مصادر نظيفة ومستدامة، إذ يعتمد بشكل كبير على استيراد الطاقة، ما يجعله عرضة لتقلبات السوق العالمية. ورغم الجهود الكبيرة التي تبذلها الدولة في توسيع مشاريع الطاقة الشمسية والرياح، إلا أن محدودية التمويل والتكنولوجيا المتاحة تعيق تقدمه في هذا المسار. ويظل دعم الدول المتقدمة والمجتمع الدولي في تمويل هذه المشاريع، ونقل التكنولوجيا الخضراء، ضرورة ملحة وليست خيارًا.
وعلى الصعيد السياسي، أظهر الأردن التزامًا واضحًا في الملفات البيئية، وشارك بفعالية في المؤتمرات المناخية، كما أطلق عدة استراتيجيات وطنية للتكيف مع التغير المناخي. ومع ذلك، فإن الإمكانات الوطنية لا تكفي لمواجهة هذه التحديات وحدها، خصوصًا في ظل ما يشهده الأردن من ضغوط ديموغرافية ناتجة عن استضافته لملايين اللاجئين، ما يضاعف من الطلب على الموارد الطبيعية والبنية التحتية والخدمات الأساسية. إن استمرار هذا الضغط، دون وجود دعم دولي كافٍ، قد يدفع بالأردن إلى أزمات اجتماعية واقتصادية جديدة.
من هنا، فإن دعم الأردن لم يعد مجرد ضرورة تنموية، بل هو استثمار في استقرار إقليمي وأمن بيئي عالمي. إذ إن الأردن، رغم صغر حجمه ومحدودية موارده، يشكل حائط صد في منطقة مضطربة سياسيًا ومناخيًا. ومساندته على تجاوز تداعيات التغير المناخي هو التزام أخلاقي وسياسي تقع مسؤوليته على عاتق المجتمع الدولي. فهل يتحرك العالم لإنقاذ دولة تقف على حافة التحول البيئي، أم يظل الأردن يواجه المصير وحده، في صمت لا يسمعه أحد؟








