عالم كرة قدم مسلوخ!

{clean_title}
الشريط الإخباري :  

منذ سنوات يشعر عشاق كرة القدم الحقيقيون، بأن اللعبة لم يعد هدفها اسعادهم، ولم تعد المتعة مرتبطة بتحقيق الألقاب وحسب، بل بالمداخيل المالية التي تكسبها الأندية جراء هذه الألقاب والمشاركة في المسابقات التي تزيد ولا تنقص على حساب راحة اللاعب وصحتهم النفسية وعافيتهم الجسمانية.
فبعد اقامة مسابقة عالمية جديدة، اضطر نجوم اللعبة على المشاركة، من أجل الملايين من الدولارات التي تربحها أنديتهم، فان مسابقة كأس العالم للاندية التي تختتم اليوم بعد موسم طويل وشاق على اللاعبين، وقبل ثلاثة أسابيع فقط على انطلاق الموسم الجديد، الذي من المفترض أن تسبقه فترة استعدادية، فان لا وقت للراحة بالنسبة للاعبين النجوم ولنخبة النخبة، حتى أن في الصيف المقبل سيتكرر الأمر باقامة كأس العالم للمنتخبات، والتي أيضا ستسرق الراحة من النجوم.
لكن في حين أننا تفهمنا رغبة الاندية في المشاركة في مسابقة مثل مونديال الأندية، وطبعا السبب هو المداخيل الكبيرة، فان طريقة جديدة، أو انها استجدت، قد ترى النور، عندما أعلن الاتحاد الايطالي لكرة القدم عن اقامة مباراة بين ميلان وكومو من احدى جولات السيريا آه خارج البلاد للمرة الأولى في تاريخ المسابقات الأوروبية، حيث لم يسبق لمباراة من الدوري المحلي أن أقيمت خارج البلاد، حيث ستلعب المباراة التي من المفترض أنها ستقام في فبراير/ شباط المقبل، في مدينة بيرث الاسترالية.
طبعا الهدف الرئيسي وراء هذه الخطوة هو فتح مجال أو نافذة للجماهير الاسترالية على الدوري الايطالي وبالتالي زيادة شعبيته ومداخيل أنديته، لكن هذه الخطوة ما زالت بحاجة الى موافقة الاتحاد الدولي (فيفا) والاتحاد الاوروبي (يويفا) والاتحاد الاسترالي، وايضا الاتحاد الآسيوي لكرة القدم الذي ينضوي الاتحاد الاسترالي تحت مظلته. ورغم ان الاتحاد الايطالي اعتبر ان هذه الخطوة تعتبر تاريخية، الا انها ما زالت بحاجة الى «خطوات ادارية معقدة» كي تحظى بالموافقات اللازمة من اتحادات مختلفة، خصوصا أن قوانين الاتحاد الدولي لا تسمح باقامة مباريات الدوري المحلي في خارج البلاد، لكن مع ذلك فان الفيفا أنشأ السنة الماضية «مجموعة عمل» لمناقشة هذا الموضوع.
وطبعا هذه ليست المرة الأولى التي تطرح فيها مثل هذه الأفكار، ففي السنة الماضية كانت رابطة الدوري الاسباني (الليغا) ترغب في اقامة مباراة برشلونة ضد أتلتيكو مدريد في مدينة ميامي الأمريكية، قبل أن تتراجع عن الفكرة بسبب ضيق الوقت. وفي 2019 خطط برشلونة لاقامة مباراة ضمن الدوري أمام جيرونا أيضا في مدينة ميامي، لكنه لغى الفكرة بعد ضغوطات ورفض من الاتحاد الاسباني لكرة القدم ومن اتحاد اللاعبين المحترفين، في حين راودت الفكرة رابطة الدوري الانكليزي الممتاز قبل سنوات، وفكر باقامة جولة كاملة خارج البلاد، بحيث تلعب كل الفرق العشرين مباراة واحدة في الخارج، وأطلقت عليها اسم «الجولة التاسعة والثلاثون»، أي انها تضاف الى الجولات الـ38 الرسمية ولا تعد من جدول المباريات الرسمي، رغم ان نتائجها تحسب، لكن الأمر قوبل بالرفض، خصوصا من جماهير الأندية العشرين، وفي الواقع هذه هو مربط الفرس، الجماهير.
حيث تعتبر جماهير كل ناد القلب والروح، وفكرة اقامة مباراة خارج البلاد من أجل حفنة من الدولارات، فكأن النادي لا يقدر ولا يعطي أهمية اطلاقا لمشاعر الجماهير، التي كثير منها تسافر على طول البلاد وعرضها لمساندة الفريق واللاعبين، فمن الكارثي أن يكون جزاؤها خوض مباراة رسمية تبعد آلاف الأميال. وفي الواقع، لهذا السبب لم نسمع أي محاولة مشابهة من الدوري الألماني، التي تعمل أنديته بقانون «50 + 1»، أي أن ملكية الاندية تعود دائما الى الجماهير، ولا يسمح بتملك النادي من رجال اعمال او شركات أو مجموعات استثمارية، في حين أن في انكلترا للجماهير الكروية صوت مسموع تخشاه ادارات الأندية، ولهذا لم نر أبداً اقامة مسابقات محلية مثل الكأس السوبر في خارج البلاد، على غرار اقامة الكأس السوبر الايطالي والاسباني خارج البلاد منذ سنوات، حتى انها سلخت عن المعتاد، باقامة مباراة واحدة بين بطل الدوري وبطل الكأس، وصارت مسابقة رباعية تشارك فيها أربعة أندية بهدف زيادة المداخيل، بل بعدما كانت الكأس السوبر عبارة عن مباراة لرفع الستارة عن الموسم الجديد، باتت اليوم في اسبانيا وايطاليا تقام في منتصف الموسم لملائمة الاندية المشاركة وظروف المضيف.
هذه هي كرة القدم المسلوخة، والتي لا تلائم الا القنوات التلفزيونية والمحطات الفضائية واليوم المنصات والمواقع الالكترونية، والهدف استغلال شعبية اللعبة وحلب المزيد منها، حتى أن كثيراً منها وصل فعلا الى حد التشبع، وانا منهم، ولم يعد لي الخاطر والمزاج على حضور هذه الكم الهائل من المباريات ضمن عشرات المسابقات، رغم انني أعشق اللعبة ممارسة ومشاهدة وكتابة، ومع ذلك لن نقطع الخيط الرفيع الودي بيننا الى حين.

خلدون الشيخ

© جميع الحقوق محفوظة لوكالة الشريط الإخبارية 2024
تصميم و تطوير
Update cookies preferences