مهزلة تعليم اللغة والدين… بأي عقل يُشترط على أستاذ الشريعة واللغة أن يكون خريج أوروبا أو اميركا؟!

{clean_title}
الشريط الإخباري :  

 

بقلم:  الحقوقي عوني الرجوب 

         باحث وكاتب السياسي 

في الوقت الذي تتباهى فيه الأمم بلغاتها وهوياتها الحضارية، وتتمسّك فيه بموروثها الديني والثقافي، تطالعنا بعض الجامعات الأردنية بشروط توظيفٍ صادمة، تشترط على المتقدّم لتدريس اللغة العربية والفقه الإسلامي أن يكون من خريجي الجامعات الأمريكية أو الأوروبية!

وكأننا أمام مشهد عبثيّ يتنصّل من ذاته، ويهين أهله، ويستبدل الأصالة بالتبعية، والعمق بالسطحية، والانتماء بالارتهان!

أيُّ مهزلة هذه؟

نحن أبناء يعرب، أهل الضاد، وأحفاد الصحابة والفقهاء والمفسّرين، نستعين بالغرباء لتدريسنا لغتنا وديننا؟!

إن هذا الشرط ليس مجرد تفصيل إداري؛ بل نهج خطير ينزع الثقة من أبناء الوطن، ويضرب عمق الهوية الحضارية للأمة، ويهدم ما بقي من كرامة المؤسسات التعليمية الوطنية.

العرب هم المعلمون… لا المتلقّون

منذ قرون والعرب هم من يُرسّون قواعد اللغة العربية، ويُعلّمونها لغيرهم من كل أصقاع الأرض.

العرب هم من وضعوا أصول الشريعة والفقه والتفسير والتربية الإسلامية،

ونحن من علّمنا العالم علوم اللغة والنحو والبلاغة، وفتحنا أبواب جامعاتنا أمام طلاب العلم من الشرق والغرب.

جامعة العلوم الإسلامية العالمية في الأردن وحدها، تعدّ صرحًا رائدًا يضم طلابًا من عشرات الدول الإسلامية والعربية، جاءوا لينهلوا من معين اللغة والفقه والدين الصحيح.

فأيّ منطق يقبل اليوم أن يُقصى ابن الوطن – خريج كليات الشريعة والآداب – وتُشترط عليه شهادة من جامعة غربية حتى يُسمح له بتدريس ما تخصّص فيه في بلده؟!

وهل تفهم الجامعات الغربية اللغة العربية على حقيقتها؟!

هل الجامعات الأوروبية والأمريكية تُدرّس المعلقات السبع كما يدرسها أبناؤنا؟

هل تُدرك جماليات الشعر الجاهلي وبلاغته، وتعي رمزية امرئ القيس، وعنترة، وزهير، والأعشى؟

هل تفهم العَروض وأوزان الشعر وبحوره كما يتقنه الطالب العربي الذي شرب البلاغة مع الحرف الأول في كتاب القراءة؟!

وهل تفسّر تلك الجامعات القرآن الكريم تفسيرًا سليمًا؟

هل تراعي السياق وأسباب النزول، واللغة والمقاصد، أم تتعامل معه كنصّ ثقافي مجرّد، وتغفل عن قدسيته، وعن ارتباطه بحياة الأمة وعقيدتها؟!

كم من التفسيرات الغربية جاءت مشوّهة أو قاصرة أو منحرفة لأنها تفصل النص عن روح الوحي،

وكم من المناهج الأكاديمية في الغرب تُقدّم الإسلام لا كدين، بل كـ"ظاهرة تاريخية" قابلة للنقد والتفكيك، بلا ضوابط شرعية أو أخلاقية!

أيُّ عرفٍ هذا؟! وأي نهج تتبعه هذه الجامعات؟!

هل أصبح خريج جامعاتنا الوطنية – الذي أفنى عمره في حفظ اللغة والفقه – أقل شأنًا من أستاذ أجنبي لا يتقن العربية إلا مكسّرة؟

هل معيار الكفاءة الحقيقي هو ختم من جامعة أجنبية، حتى لو كانت رؤيتها مادية بحتة، أو معرفتها بالدين نظرية مجتزأة؟!

هل خريجي الأزهر أيضا لا دور لهم ماذا يجري

هل وزارة التعليم العالي على علم بهذه السياسات؟

إن كانت تعلم وتبارك هذا المسار، فالمصيبة في القرار والرؤية،

وإن كانت لا تعلم، فالمصيبة في غياب الرقابة والتوجيه.

فما يحدث ليس مجرد شرط توظيف، بل تغريب منهجي وإقصاء مُنظَّم للكفاءات الأردنية، وضرب مباشر لجوهر التعليم الوطني.

رسالة إلى كل مسؤول وغيور:

لا تجعلوا جامعاتنا الأردنية نسخًا مقلّدة من مؤسسات لا تنتمي إلى لغتنا ولا ديننا.

لا تستهينوا بكليات الشريعة والآداب، فهي صمّام الهوية، ومعقل العقل، ومنبر الأمة الواعي.

لا تُقصوا أبناء الوطن من أبواب التعليم، فهم أولى الناس به، وهم من يُراهن عليهم في صيانة الوعي واللسان والدين.

 

نحن لسنا ضد الانفتاح، لكننا ضد الانسلاخ. ولسنا ضد العالم، لكننا ضد الذوبان فيه.

نرفض أن يُصبح تعليم لغتنا وديننا مرهونًا بموافقة مؤسسات غربية لا تُشاركنا الانتماء ولا الرسالة.

نرفض أن نغترب داخل أوطاننا، أو أن نُقصى باسم التطوير، أو نُهان باسم الجودة.

> “فأنّى يُؤفكون؟!”

ألا فليصحُ الضمير، ولتُصوَّب البوصلة،

قبل أن نُمحى من جذورنا بأيدينا… وحينها لا ينفع الندم.

© جميع الحقوق محفوظة لوكالة الشريط الإخبارية 2024
تصميم و تطوير
Update cookies preferences