البرفيسور الضمور يكتب : عندما يتحوّل الإصلاح إلى بيان: التعليم العالي لا يحتاج عاطفة بل خطة وطنية

{clean_title}
الشريط الإخباري :  

 

في خضم ما نعيشه من أزمات في التعليم العالي، خرج علينا بيان يعلن الدعم الواسع لتصريحات وزير التعليم العالي الأخيرة حول وجود “تجاوزات غير نزيهة” في بعض مؤسسات التعليم العالي. البيان حمل نبرة تأييد وتصفيق، ونوايا صادقة على الأرجح، لكنه يفتح الباب أمام أسئلة جوهرية: هل حلّ أزمة التعليم العالي يكون بإصدار بيان تأييد؟ أم بخطة إصلاحية وطنية تُعالج جذور المشكلة؟

لا شك أن مواجهة الفساد الأكاديمي ضرورة وطنية، وأن أي تصريح شجاع في هذا السياق محل تقدير، ولكن تحويل هذه التصريحات إلى اصطفافات شخصية يعيدنا إلى دائرة تسييس التعليم، حيث يصبح الوزير بطلًا خارقًا، وتُختصر أزمات قطاع معقد بكامله في شخص، بينما تبقى المؤسسات المعنية بإصلاح هذا القطاع غائبة أو صامتة.

التعليم العالي اليوم لا يحتاج إلى التصفيق بقدر ما يحتاج إلى مساءلة وهيئات حوكمة قوية، فهل سمعنا دورًا واضحًا لمجالس الأمناء؟ وماذا عن مجالس الاعتماد؟ وأين مجالس الحوكمة؟ وأين التشريعات التي تربط التمويل بالإنجاز الفعلي؟ وهل الإصلاح يكون بالتصريحات أم بإعادة النظر في سياسات التصنيف التجاري للجامعات، وإنهاء حالة التضخم في أعداد الخريجين دون جودة، وغياب البحث العلمي، وتفشي المجاملات الأكاديمية؟

إن إصلاح التعليم العالي ليس قضية عاطفية، بل قضية سياسات، ومراجعة للأنظمة، وقياس للمخرجات، وتقييم للأداء المؤسسي، وإعادة تشكيل للمجالس على أسس الكفاءة والنزاهة لا الترضيات. نحن بحاجة إلى تأسيس مجلس وطني للبحث العلمي، وتحرير الجامعات من قبضة الإدارة البيروقراطية، ووضع سياسات قبول صارمة قائمة على الجودة، وربط الترقية الأكاديمية بالإنتاجية البحثية الحقيقية وليس بالأرقام الفارغة.

إن أخطر ما يمكن أن نواجهه في أزمة التعليم العالي هو تحويل الإصلاح إلى “فقاعة إعلامية” وبيانات عاطفية، ثم العودة إلى الصمت بعد انطفاء ضوء الكاميرات، بينما تبقى السياسات التي خلقت الأزمة في أماكنها، ويبقى الأداء على ما هو عليه، وتتكرّر ذات الوجوه على شاشات التصفيق.

نعم، نريد إصلاح التعليم العالي، ولكننا نريده إصلاحًا مؤسسيًا لا شخصيًا، قائمًا على خطط معلنة، وتقييم علني، ومؤشرات أداء موضوعية، ومحاسبة واضحة لكل من يساهم في إفساد هذا القطاع أو إضعافه.

إن مستقبل الدولة يبدأ من قاعات الجامعات، وأي خلل في هذا القطاع ليس هامشًا يمكن تجاهله، بل خطرًا وجوديًا على المجتمع والدولة معًا. ولهذا، فإن أفضل دعم للوزير وأي مسؤول صادق، ليس إصدار بيان تأييد، بل الدفع نحو خطة إصلاح وطنية للتعليم العالي، قائمة على المشاركة، وتستند إلى إرادة سياسية حقيقية، وخطوات عملية تعيد الثقة لهذا القطاع وتضمن بناء أجيال قادرة على النهوض بالوطن.
ا د هاني الضمور

© جميع الحقوق محفوظة لوكالة الشريط الإخبارية 2024
تصميم و تطوير
Update cookies preferences