من الجولان إلى السويداء… إسرائيل تُعيد رسم خرائط النفوذ بوقاحة وازدواجية معايير

{clean_title}
الشريط الإخباري :  

 

بقلم: عوني الرجوب 
كاتب وباحث سياسي

في الوقت الذي تنشغل فيه الأمة بجراحها المفتوحة، تطلّ علينا إسرائيل مجددًا، ولكن هذه المرّة من بوابة الجنوب السوري، وتحديدًا عبر مطالبتها العلنية بمنطقة "منزوعة السلاح" تمتد من الجولان المحتل حتى السويداء، بذريعة حماية أمنها القومي، وكأن الجنوب السوري ساحة مباحة بلا سيادة، والدولة السورية كيان هش لا يملك قراره!

إن مطالبة رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، بإقامة منطقة عازلة داخل أراضي دولة عربية مستقلة وذات سيادة، لا يمكن وصفها إلا بأنها تعدٍ سافر على القانون الدولي، واستهتار صارخ بميثاق الأمم المتحدة. فهل باتت إسرائيل ترسم حدود الدول المجاورة كما تشاء، وتوزّع الولاءات والأدوار وتُقرّر مصائر الأقليات فيها؟ وهل تحوّل الجولان المحتل إلى قاعدة انطلاق جديدة لتقويض استقرار سوريا من الداخل؟

الاحتلال العلني... بلا مواربة

إن دخول الدبابات الإسرائيلية مرارًا إلى عمق الجنوب السوري، تحت مسمى "الردع الوقائي" أو "الدفاع عن الدروز"، لا يُمكن إلا أن يُسمى باسمه الحقيقي: احتلال وانتهاك لسيادة دولة عربية، وسط صمت دولي مريب، وتواطؤ غربي مفضوح.

دعونا نتخيل للحظة أن الأردن أو العراق قرر إرسال قواته إلى داخل دولة مجاورة "لأسباب أمنية" أو "لحماية مكوّن طائفي معين"... ماذا سيكون الرد الأمريكي؟ كيف كانت ستتحرك آلة العقوبات والتهديد والشيطنة؟ لكن حين تكون إسرائيل هي الفاعل، تصبح الجريمة "إجراء أمني مشروع"، وتُغسل يد الاحتلال بماء الدعم الدولي.

ازدواجية المعايير... وجه الغرب الحقيقي

لم تعد ازدواجية المعايير بحاجة إلى إثبات أو برهان، فالدول التي تدّعي احترام القانون الدولي وحقوق الإنسان، هي ذاتها التي تدعم علنًا احتلال فلسطين، وتتغاضى عن القصف الإسرائيلي للمستشفيات والمدارس في غزة، بينما تصف مقاومة أبناء الضفة الغربية بـ"الإرهاب"، وتمنح الاحتلال غطاءً سياسيًا وعسكريًا لارتكاب المجازر.

والأدهى من ذلك، أن إسرائيل التي تتدخل في شؤون الطائفة الدرزية في سوريا، وتدّعي حرصها على حمايتهم، هي ذاتها التي تضطهد الدروز في فلسطين المحتلة، وتحرمهم من الحقوق الكاملة، وتجبر أبناءهم على الخدمة في جيش الاحتلال، وتستخدمهم كورقة ضغط سياسية في لحظة ما، ثم تتنكر لهم في لحظة أخرى.

الدروز في سوريا... أبناء الوطن لا أدوات صراع

الدروز في سوريا هم جزء أصيل من النسيج الوطني السوري، كما هم المسيحيون والعلويون والسنّة والشيعة وكل مكونات المجتمع السوري. لم يكونوا يومًا ميليشيا منفصلة، ولا أدوات خارجية، بل كانوا عبر تاريخهم شركاء في القرار والسيادة، وجزءًا من النضال الوطني ضد الاحتلالات المتعاقبة. أما محاولة إسرائيل تفكيك هذا النسيج، وتمزيق وحدة الأرض السورية تحت ذريعة الحماية الطائفية، فهي سياسة قديمة جديدة تعتمدها كلما أرادت إضعاف خصومها من الداخل.

فلسطين… الجرح الأكبر والصمت الأوسع

وفي المقابل، حين يُذبح الأطفال في غزة وتُقصف العائلات في رفح، ويُسجن الشبان في نابلس، تُصنّف المقاومة الفلسطينية كـ"منظمات إرهابية"، وتُمنع من الدفاع عن الأرض والعِرض. فمن يحمي دروز السويداء لا يحمي مسلمي غزة، ومن يزعم دعم الأقليات لا يرى آلاف النساء تحت الأنقاض في القطاع المحاصر.

خاتمة: السيادة ليست وجهة نظر

المعادلة التي تريد إسرائيل فرضها اليوم على المنطقة تقول: "لك أن تقاوم الاحتلال فتُتهم بالإرهاب، أو تتعاون معه فتُوصف بالحكمة والاعتدال". لكن الشعوب لم تعد تنطلي عليها تلك الأكاذيب. والسيادة الوطنية ليست وجهة نظر، بل حقّ مقدّس لا يُنتزع ولا يُقايض.

آن الأوان للعرب أن يكسروا حاجز الصمت، لا نصرةً لسوريا فقط، بل دفاعًا عن أنفسهم، لأن من يُسكت اليوم عن العبث في الجنوب السوري، سيسمع دبابات الاحتلال تُهدر غدًا في شمال الأردن، أو شرق لبنان، أو قلب بغداد.

إسرائيل ليست فوق القانون، وإن صمت العالم. سيأتي يوم الانتصار على اسرائيل

© جميع الحقوق محفوظة لوكالة الشريط الإخبارية 2024
تصميم و تطوير
Update cookies preferences