لماذا يتنكر المسؤول الأردني لأهله وأصدقائه عقب تسلمه المنصب ..؟؟

{clean_title}
الشريط الإخباري :  

د. بسام روبين /  عميد اردني متقاعد 

يتساءل الأردنيون بدهشة وإمتعاض عن السر الكامن وراء إنقلاب بعض المسؤولين على أقرب الناس إليهم، فور دخولهم دهاليز المناصب، وكأن الذاكرة تمحى بضغطة زرّ، فور تلقي التهاني وإلتقاط الصورة البروتوكولية خلف الطاولة الجديدة ،فهل هذا التنكر هو لعنة ترافق الكرسي؟ أم أنه مرض اجتماعي مستفحل يصيب بعض المسؤولين ونتغافل عن مواجهته؟  

فبعض المسؤولين الذين كانوا يتسامرون مع أصدقائهم، ويتقاسمون معهم الأفراح والأحزان، ويطرقون أبواب الأقارب في كل مناسبة، يصدمون الجميع فجأة بحالة فقدان ذاكرة غريبة، فور صدور قرار تعيينهم.  ويبدو أن حرس البوابة والسكرتاريا وتعليمات المستشارين، تتكفل بفصل الوجه القديم عن البدلة الرسمية الجديدة ،فالمسؤول الذي لهث خلف دعم العشيرة ومساندة الأصدقاء في طريق الوصول إلى المنصب، سرعان ما يركب موجة النكران، ويتعامل مع من كانوا سببا في صعوده وكأنهم أرقام منسية، أو ملفات قديمة لا تستحق الفتح ،بل إن بعضهم يسرف في التنكر، حتى في واجبات العزاء والمناسبات، متذرعا بالإنشغال أو الإلتزام بتعليمات البروتوكول. 

 وهنا يحق لنا أن نسأل: ألم تكن القيم والمروءة والوفاء من خصال الرجال في بلد يفاخر أهله بالكرم والإنتماء؟  أم أن المنصب في الأردن يبرمج بعض العقول على التعالي، ويفرز قشرة زائفة من الغطرسة المؤقتة، سرعان ما تتشقق مع أول قرار إحالة أو إعفاء ، اعتمادا على الذاكرة الأردنية القصيرة؟  

    نعم، لا نخجل من القول إن من يتنكر لأقاربه وأصدقائه بعد إستلامه المنصب، هو إما ضعيف الشخصية، أو فاقد لهويته الأخلاقية، أو مريض نفسي، لم يكن صادقا يوما في علاقاته، بل كان يزرعها لموسم الحصاد السياسي فقط ،وهذا النموذج من المسؤولين هو الأخطر على الوطن، لأنه يفتقر لأبسط معايير الوفاء والنبل ،ومن يخون أهله لا يؤتمن على أي أمانة في الوطن، ولأن المناصب زائلة، فإننا نشهد اليوم العشرات ممن تقاعدوا ولم يتذكرهم أحد، لأنهم أحرقوا جسور الود مع الناس في لحظة غرور ،  ولم يدركوا أن ذاكرة الأردنيين قد تنسى التفاصيل ، لكنها لا تنسى الوجوه المتعالية، ولا تسامح ناكري المعروف، فليتذكر بعض المسؤولين اليوم ان الكرسي لا يصنع الهيبة، ولا الجاه يطيل البقاء، ومن يصنع المجد هو الوفاء ،فمن يحفظ الود ويصون العهد ، سيبقى في قلوب الناس حتى بعد أن يغادر المنصة.  

ويبقى السؤال المفتوح: كم من مسؤول سيتجرأ اليوم على قراءة هذه الكلمات ثم ينظر في المرآة، ليرى حقيقة تصرفاته مع أصدقائه وأقاربه؟ قبل أن يصل إلى مرحلة من النكران تجعله يحارب كل من يعرفه، خوفا من تهمة المحسوبية، وكأن الترفع عن الناس بات معيارا للنزاهة ،في حين أن النزاهة الحقيقية تبدأ من الوفاء ورد الجميل ،فبعضهم ما زال لا يدرك أن الكرسي الذي يجلس عليه ، قد جلس عليه العشرات قبله،وأن حكايات الغطرسة تنتهي فور مغادرته ليعود فردا بلا أي رصيد اجتماعي ولا وزن شعبي.   

 

© جميع الحقوق محفوظة لوكالة الشريط الإخبارية 2024
تصميم و تطوير
Update cookies preferences