*بجرأة إعلامية أردنية قلتها لصدام حسين عام 1990 بعد غزوه للكويت في مجلة المجلّة اللندية: (دونكم فلسطين فحرروها)*

{clean_title}
الشريط الإخباري :  

 

           قبل 35 عاماً، كنت الصحفي الأردني الوحيد الذي كتب علانية، وكنت من القِلة القليلة من الأردنيين، الذين حذّروا من غزو العراق للكويت عام 1990، وعبّرت عن تضامني الكامل مع الكويت الشقيقة حينذاك، لأني كنت أقرأ المسقبل بطريقة (زرقاء اليمامة)، رغم صخب المسيرات والمظاهرات التي كانت تجوب شوارع العاصمة عمان ومدن وقرى المملكة دعماً لغزو العراق للكويت، وتنادي (بالكيماوي يا صدام).

           لهذا شكري الجزيل إلى الأخ والصديق والزميل إبراهيم السطري من صحيفة "صوت الشعب" الذي جعل من نفسه شاهداً حياً بعد (35) عاماَ على جزء من تاريخ الأردن، من خلال قيامه بـ "نبش" أرشيف صحيفة "صوت الشعب" وبعض الصحف والمجلات العربية، لأنه كان لديّ الجرأة حينذاك بأن أقول للرئيس العراقي صدام حسين عام 1990 (بدلاً من غزو الكويت ... دونكم فلسطين فحرروها)، وعندها قامت الدنيا عليّ ولم تقعد بسبب مقالات ومقابلات أجريتها لصالح صحيفة "الشرق الأوسط" التي كانت تطبع في لندن في ذلك الوقت بواسطة الأقمار الصناعية، وفي مجلة "المجلة" اللندنية أيضاً، وكادوا أن يحيلوني إلى المجلس التأديبي في نقابة الصحفيين الأردنيين، وتهديدي بالفصل من النقابة بسبب كتاباتي الصحفية الرافضة لغزو العراق للكويت، وهنا أستذكر موقف الأستاذ الصحفي الكبير حامد العبادي، الذي أخبرني بأن هناك مؤامرات تحاك ضدي في ظلام الليل الحالك، ورحم الله نقيب الصحفيين الأردنيين المرحوم بإذن الله سيف الشريف ومجلس النقابة الذين لم يرضخوا وقتها لضغوطات أحد المسؤولين الإعلاميين الشرسين، ورفضوا محاكمتي. 

           وقد أجريت في تلك الفترة مقابلات مع بعض شيوخ قبائل الأردن، الذين اعتبروا بأن قيام الرئيس العراقي صدام حسين بغزو الكويت وتهديد أمن دول الخليج العربي وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية مرفوض، ويجب على الأردن أن يقف مع دول الخليج العربي ضد تهديد أمنها من قِبل العراق، لأن تمادي وتطاول صدام حسين على الأمن العربي الخليجي والتلويح باحتلال هذه الدول، هو ضد الأمن العربي بالكامل، وليس ضد دول الخليج العربي، كما أن ذلك كان خدمة مجانية لإيران التي كانت تنتظر الفرصة للأطاحة بصدام حسين واحتلال العراق، وتصدير ثورة الإمام الخميني إلى العراق ومنه إلى الأردن.

           انظروا إلى الواقع بعد (35) سنة: العراق الذي كان غنياً بنفطة ومائه وتموره وصمود شعبه بعد (8) سنوات حرب أنهكته مع إيران، هو الآن بلد مدمر ومفتت ومفكك وشعبه جائع، رغم النفط، وقد احتلته إيران بدون جيش، في حين أن الكويت التي غزاها صدام حسين وحرقها ودمرها وشرّد شعبها (لفترة محدودة) عادت إلى مجدها وعِزها (جوهرة الخليج العربي)، والمملكة العربية السعودية التي قصفها صدام حسين بصواريخ "سكود" لا زالت شامخة، ولا زالت مملكة الإسلام والسلام، والشقيقة الكبرى للأردن.

           نصيحتي في هذه الأيام، لأن التاريخ في المنطقة والأردن يعيد نفسه بطريقة أخرى، وأقول: (وجهوا إحدى عيونكم لتشاهد الحاضر، والعين الأخرى لتقرأ المستقبل)، لأن الأردن لا يزال في عين العاصفة، بسبب ضعف الانتماء الوطني وتغليب مصالح الآخرين على مصلحة الأردن من جهة، وبسبب قِصر النظر لدى الكثيرين الذين يهتفون لغير الأردن على أرض الأردن من جهة أخرى.

           شكري الجزيل للأخ والصديق إبراهيم السطري زميل مهنة المتاعب في صحيفة "صوت الشعب" التي كانت مدرستي الأولى في الصحافة والإعلام، (بعد أن تخرجت من كلية الإعلام في جامعة اليرموك عام 1984)، حيث أن السيد إبراهيم السطري هو من الزملاء القلائل الذين لا يزالوا يعشقوا (رائحة الحبر) من أيام الصحافة الصادقة ... عندما كانت الصحافة صحافة.

المستشار محمد صالح الملكاوي

© جميع الحقوق محفوظة لوكالة الشريط الإخبارية 2024
تصميم و تطوير
Update cookies preferences