الأردن ورهان المستقبل .…
الدكتور وسام عبده
لم يكن اجتماع ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، في الخامس من أغسطس 2025، بالمجلس الوطني لتكنولوجيا المستقبل، حدثًا بروتوكوليًا عابرًا أو مجرد محطة في أجندة حكومية مزدحمة. بل كان مشهدًا يختصر تحولًا في طريقة تعامل الدولة مع التكنولوجيا، من كونها أداة دعم جانبية إلى كونها عمودًا فقريًا لمشروع وطني شامل، يربط الاقتصاد بالسيادة، والتعليم بالصحة، والابتكار بالمكانة الدولية.
المجلس، الذي جاء تشكيله بأمر ملكي مطلع العام، ومتابعة لصيقة من ولي العهد، يمثل اليوم عقل التخطيط الاستراتيجي للمستقبل الرقمي الأردني. تركيبته التي تضم وزراء معنيين، ورؤساء هيئات سيادية، وخبراء من القطاع الخاص، تعكس إدراكًا بأن التحول الرقمي ليس اختصاص وزارة أو جهة، بل هو مشروع دولة بكامل مؤسساتها.
الاجتماع الأخير لم يكتفِ باستعراض مشاريع تطوير الخدمات الرقمية، بل وضع على الطاولة أولويات تمس حياة المواطن مباشرة: إدماج الذكاء الاصطناعي في التعليم لتأهيل أجيال قادرة على المنافسة في اقتصاد المعرفة، وتوسيع منصة المركز الأردني للصحة الرقمية وربطها بكافة المستشفيات والمراكز الصحية لتقديم خدمة طبية أسرع وأدق وأقل تكلفة، وتعزيز إدارة البيانات الحكومية لتكون العمود الفقري لتطبيقات الذكاء الاصطناعي.
لكن ما يجعل هذا الاجتماع مختلفًا هو أنه يأتي في مرحلة تتسابق فيها الدول لاحتلال موقع متقدم في الخريطة الرقمية العالمية. وهنا، يرسل الأردن رسالة واضحة: لن يكون مجرد متلقٍ للتقنيات، بل سيسعى لأن يكون شريكًا في صناعتها، ومنصة إقليمية لتطويرها وتصديرها.
يمكن قراءة التحركات القادمة للمجلس في ثلاثة مسارات متوازية: إطلاق مشروعات تجريبية واسعة في التعليم والصحة لتبرهن جدوى دمج الذكاء الاصطناعي، صياغة تشريعات وحوكمة بيانات توازن بين حماية الخصوصية وتحفيز الابتكار، وبناء شراكات إقليمية ودولية تمنح الأردن موقعًا كمحور تكنولوجي في الشرق الأوسط.
الأثر المتوقع لهذه المسارات مزدوج: اقتصاديًا، بخلق فرص عمل عالية المهارة وفتح أسواق جديدة ذات قيمة مضافة؛ وسياسيًا، بترسيخ مكانة الأردن كدولة ذات رؤية واضحة في عالم يحكمه السباق التكنولوجي. وفي ظل قيادة تضع ملف التكنولوجيا في قلب أولوياتها، فإن السنوات القليلة القادمة قد تشهد انتقال الأردن من مستهلك للتقنيات إلى مصدر للخبرة والحلول، لتصبح سيادته الرقمية جزءًا لا يتجزأ من أمنه الوطني.
