سوزان ابو بكر تكتب .. خدمة العلم من الترف إلى الواجب الوطني

سوزان ابو بكر 
لم تعد خدمة العلم خيارًا يمكن الجدال حوله، بل أصبحت ضرورة لا تقبل التأجيل. في زمن تتآكل فيه قيم الانضباط والرجولة، وتتصدر فيه مظاهر السطحية والاتكالية، عادت الدولة الأردنية لتقولها بصوت واضح: لا نريد جيلًا هشًا، نريد رجالًا يُعتمد عليهم.

نعم، خدمة العلم هي الفرصة التي تأخّرنا كثيرًا في إعادتها. جيل بأكمله بات أسير الهواتف الذكية، يقيس ذاته بعدد المتابعين، ويقضي ساعاته في تكرار لا ينتهي من المحتوى الفارغ. جيل يفتقر – إلا من رحم ربي – إلى الحدود الدنيا من الالتزام، الاحترام، وتحمل المسؤولية. خدمة العلم اليوم ليست ترفًا تنظيميًا أو تمرينًا بدنيًا، بل مشروع وطني لإعادة تكوين الشخصية.

كيف يمكن لمجتمع أن ينهض، إذا كانت فئة من شبابه لا تعرف قيمة الوقت، ولا تعي معنى الانضباط، وتعتبر الجدية نوعًا من التقييد؟ هل ننتظر من شابٍ يتأفف من الاستيقاظ صباحًا أن يحمل همّ الوطن؟ هل نثق بمن لا يستطيع أن يُنظّم ساعاته أو يلتزم بأمر بسيط، أن يكون خط دفاع في مواجهة التحديات؟

خدمة العلم لا تُخرج جنديًا فقط، بل تُخرّج مواطنًا حقيقيًا. مواطن يُدرك قيمة الوطن، ويحترم القوانين، ويعرف كيف يتحمّل، وكيف يُنصت، وكيف يُنَفّذ، وكيف يقود. إنها إعادة بناء للعمود الفقري لشخصية الشاب الأردني، التي بدأت تنحني تحت ثقل التراخي والانفصال عن الواقع.

دعونا نكون واقعيين؛ ليس كل شاب اليوم في حالة نضج تؤهّله لتحمل أعباء المستقبل. وليس من المعيب الاعتراف بأن جزءًا من الجيل بحاجة إلى توجيه حقيقي صارم، يُخرجه من عبث اليوميات الرقمية، ويزرع فيه الجدية والاحترام. خدمة العلم هي هذا التوجيه، بلا عنف، بلا فرض، بل بمنطق "إن لم تُربَّ في بيتك، فالوطن مستعد أن يعيد إليك ما فُقِد".

نعم، سنسمع من يرفض ويشكك ويبرر الهروب، لكن صوت الوطن أعلى. مَن يخشى الانضباط، فليُراجع نفسه. ومن يعتبر الالتزام قيدًا، فليتذكّر أن الحرية الحقيقية لا تأتي من الفوضى، بل من النظام.

الرهان على الشباب لم ولن يتغيّر. لكن الرهان هذه المرّة ليس على شعاراتهم، بل على أفعالهم. خدمة العلم هي دعوة مفتوحة لكل شاب: كن كما يجب، لا كما ترغب فقط. الوطن لا يحتاج المزيد من المتفرّجين، بل يحتاج مَن يصطفّ في صفّه ويقف مستقيمًا.