المخابرات الأردنية… مؤسسة وطن .

{clean_title}
الشريط الإخباري :  


محمد ذياب جرادات
محامي 
ونائب سابق

عندما نتحدث عن دائرة المخابرات العامة الأردنية فنحن لا نتحدث عن جهاز إداري عادي أو مؤسسة حكومية عابرة، بل عن ركيزة أمنية سيادية حملت على عاتقها، منذ نشأتها، مهمة حماية الدولة الأردنية من كل الأخطار والمؤامرات التي أحاطت بها فنحن نتحدث عن مؤسسة صنعت تاريخاً من المواجهة، وعن رجال لم يعرفوا النوم إلا بعد أن يطمئنوا أن الوطن في أمان، وعن جهاز أمني يُعدّ بحق “العقل الواعي” للدولة الأردنية، والسيف البتار الذي يتصدّى لكل يد تمتد لتعبث بأمن الأردن واستقراره.

في السنوات الأخيرة برزت أصوات لشخصيات سياسية أردنية معروفة، من بينها  رؤساء حكًومات سابقين ، تحمل بين سطورها نقداً غير مباشر للمخابرات العامة. هذا النقد – في جوهره – لا يمكن اعتباره طعناً في المؤسسة نفسها، بقدر ما هو توصيف لحالات فردية أو ممارسات شخصية ربما خرجت عن النهج المؤسسي. فالجهاز كبقية أجهزة الدولة قد يشهد سلوكيات فردية لا تعكس رسالته العليا ولا خطه الوطني، وهنا يمكن تقبل النقد إذا كان  الهدف منه الإصلاح والبناء، لا التشكيك والتجريح.
لكن من الخطأ الفادح أن يُسمح بتضخيم هذه الأخطاء الفردية حتى تُصوّر وكأنها نهج عام. فالمخابرات، بما تملك من تاريخ وإنجازات، أكبر من أن تُختزل في تصرف فرد أو إساءة موظف. هي مؤسسة وُجدت لتحمي الوطن كله، ولا يجوز أن نقيسها بمقياس شخص أو موقف عابر.
يكفي أن نفتح أعيننا على المشهد الإقليمي لندرك قيمة هذا الجهاز وأهميته . دول سقطت في الفوضى لأن مؤسساتها الأمنية تهاوت، وشعوب تشردت لأن أجهزتها لم تصمد أمام المؤامرات. أمّا الأردن، فقد بقي واقفاً رغم الأزمات الاقتصادية والسياسية، ورغم كل الضغوط التي أحاطت به ولا تزال فالسر لم يكن في كثرة الموارد ولا في القوة العسكرية الضخمة، بل في أجهزة أمنية يقظة، في مقدمتها دائرة المخابرات، التي جعلت من الأردن واحة امن و استقرار في محيط إقليمي  مضطرب متلاطم الامواج .
هذه المؤسسة تصدّت للإرهاب قبل أن يطرق أبواب المدن، وتابعت الخلايا النائمة قبل أن تستيقظ، وكشفت المؤامرات وهي لا تزال حبراً على ورق في أروقة الأعداء. هي مؤسسة قد لا يعرف الناس إنجازاتها اليومية، لأن عملها في الغالب صامت وسري، لكن أثرها واضح في كل بيت ينعم بالاستقرار، وفي كل شارع لم تعمه الفوضى
 
المخابرات العامة ليست ملكاً لشخص أو حكومة، بل ملك للشعب والدولة. هي خط الدفاع الأول والأخير، وهي المؤسسة التي إن ضعفت، ضعُف الوطن بأكمله. لذلك فإن من يتجرأ على التشكيك في دورها أو التقليل من قيمتها، يضع نفسه في موقع من يخدم أعداء الدولة بقصد أو بغير قصد. فالعدو الأول للأردن – سواء كان إرهاباً، أو اختراقاً سياسياً، أو مؤامرات خارجية – يعرف تماماً أن اختراق الأردن يبدأ من إضعاف ثقته بأجهزته الأمنية، وفي مقدمتها المخابرات العامة.
لا أحد ينكر أن أي مؤسسة بشرية قد تتعرض لأخطاء أو انحرافات فردية، لكن التاريخ لا يُكتب بالأخطاء الصغيرة، بل بالمنجزات الكبرى. والمخابرات الأردنية كتبت تاريخاً من العطاء والإنجازات، ويكفيها أنها حمت الدولة الأردنية من مصير مظلم كانت ستنزلق إليه لولا يقظة رجالها.
ولذلك، فإن القول الفصل في هذا الأمر يبقى واضحاً:
قد يسيء موظف أو يخطئ فرد، لكن المؤسسة تبقى هي السيف البتار الذي لا يصدأ في وجه أعداء الوطن. هذا السيف لا تكسّره الانتقادات العابرة التي هدفها شعبوياً بحتاً تصدر عن بعض كهول السياسة ولا تضعفه الحسابات السياسية الضيقة لبعض رجال الدولة الذين يتزينون  بالأحاديث في مجالسهم الخاصة بأن ما وجه لهذه المؤسسة من رسائل لتقليم  دورها كان بفعلهم  لأنه ببساطة سيف الدولة الأردنية، وحاميها في زمن كثرت فيه الذئاب وتعددت فيه الخناجر.
والسلام…

© جميع الحقوق محفوظة لوكالة الشريط الإخبارية 2024
تصميم و تطوير
Update cookies preferences