مرحلة حاسمة في مسار المجلس النيابي

{clean_title}
الشريط الإخباري :  

 

 

د. وسام عبده 

 

مع اقتراب انعقاد الدورة العادية الثانية لمجلس النواب، يدخل الأردن محطة سياسية بالغة الأهمية، تتجاوز كونها استحقاقاً دستورياً إلى كونها اختباراً حقيقياً لمدى نضج التجربة البرلمانية وقدرة النواب على الاضطلاع بدورهم التشريعي والرقابي بفاعلية. فهذه الدورة تأتي محمّلة بملفات تشريعية واقتصادية واجتماعية ضاغطة، في وقت يتطلع فيه الشارع الأردني إلى أداء مختلف يعكس نبضه ويستجيب لتطلعاته، ويعيد الاعتبار لهيبة المؤسسة التشريعية كمعبّر عن إرادة الشعب وحارس لمصالحه.

الأهمية الكبرى لهذه المرحلة تكمن في أنها تفتتح بانتخابات المكتب الدائم وتشكيل اللجان النيابية، وهي لحظة لا تقل وزناً عن أي استحقاق سياسي آخر، لأنها تحدد مسار العمل النيابي للعام المقبل وتضع أسس العلاقة بين النواب أنفسهم وبينهم وبين الحكومة. فالمكتب الدائم ليس مجرد إطار إداري، بل هو عقل المجلس وقيادته التي تصوغ آليات النقاش وتحدد أولويات الأجندة، بينما تشكّل اللجان القلب النابض لأي برلمان، فهي التي تدرس مشاريع القوانين بعمق وتفتح ملفات الرقابة والمساءلة، وتمنح النائب مساحة للتأثير الحقيقي بعيداً عن الأضواء العامة.

إن المرحلة المقبلة تحمل في طياتها أبعاداً سياسية تتجاوز الإجراءات الشكلية، فهي مرآة توازنات القوى داخل المجلس، ومؤشر على قدرة الكتل النيابية على بناء توافقات أو إدارة تنافس مسؤول لا يعطل العمل العام. كما أنها ستختبر مدى استعداد النواب للانتقال من لغة الخطابات إلى لغة الأفعال، ومن منطق تسجيل المواقف إلى منطق الإنجاز البرلماني. فالمواطن اليوم لا ينتظر صراعاً على مواقع أو سباقاً على ألقاب، بقدر ما يتطلع إلى مجلس قادر على تشريع ينهض بالاقتصاد، ورقابة تردع الفساد، ومواقف سياسية تعبر عن روح الوطن في مواجهة التحديات.

وعليه، فإن أهمية هذه الدورة لا تنفصل عن سياقها الوطني الأشمل، حيث تتقاطع مع مسار التحديث السياسي والاقتصادي والإداري الذي يقوده الأردن. وكل تأخير أو ضعف في الأداء البرلماني سينعكس مباشرة على قدرة الدولة على المضي قدماً في هذا المسار. لذلك تبدو مسؤولية النواب مضاعفة؛ فهم مطالبون اليوم بأن يبرهنوا أن المجلس ليس ساحة لتصفية الحسابات، بل منصة لترجمة الثقة الشعبية إلى سياسات وتشريعات تعزز مناعة الدولة وتحصّن استقرارها.

إننا أمام مرحلة اختبار حقيقي، إما أن يخرج منها المجلس أكثر قوة وتأثيراً، أو يظل رهين صورة نمطية تفصله عن هموم الشارع. والفرق بين الاحتمالين سيكون مرهوناً بوعي النواب وإرادتهم في تحويل هذا الاستحقاق إلى فرصة لإعادة الاعتبار لدور البرلمان كسلطة حقيقية في معادلة الحكم، وكسند وطني في مواجهة تحديات المرحلة المقبلة.

© جميع الحقوق محفوظة لوكالة الشريط الإخبارية 2024
تصميم و تطوير
Update cookies preferences