غزة تصرخ بالدم… والأمة ترد بالشجب والخذلان
بقلم: عوني الرجوب
باحث وكاتب سياسي
غزة اليوم ليست ساحة حرب، بل محرقة بشرية مفتوحة، تُقصف ليل نهار، تسيل دماء الشهداء في شوارع غزة ويذبحوا كالأسود ، تُهدم بيوتها على رؤوس ساكنيها، يُذبح أطفالها في أحضان أمهاتهم، وتُهجّر نساؤها قسرًا، ويُترك شيوخها للموت بلا دواء ولا مأوى. هذه ليست مواجهة عابرة، بل إبادة جماعية مكتملة الأركان، يراد منها اقتلاع شعب من جذوره ومحو هويته من الوجود.
لكن الكارثة الكبرى ليست فيما يفعله الاحتلال وحده، بل فيما نفعله نحن! أمة الملياريْن تقف عاجزة، صامتة، أو تكتفي ببيانات خجولة لا تُسمن ولا تُغني من جوع. كأننا لا نرى الدم، كأننا لا نسمع الصراخ، وكأن غزة ليست منا.
المفارقة المؤلمة أن شوارع العواصم الغربية تمتلئ بالمظاهرات المؤيدة لفلسطين، بينما العواصم العربية غارقة في صمت بارد. شعوبنا مشغولة بلقمة العيش أو مقيّدة بالخوف، وحكوماتنا لا تملك في قواميسها سوى كلمات: نشجب، نستنكر، ندين. ألفاظ تحولت إلى نكتة سياسية، وإلى شعار للعجز والمهانة.
ولم تتوقف المأساة عند غزة وحدها. اليمن يُقصف بلا رحمة، لبنان يُغتصب، سوريا تُستباح، والكيان الصهيوني يسرح ويمرح في سمائنا وأرضنا كما يشاء. وغزة نفسها تُدمر ويُشرَّد أهلها على مرأى من العرب والمسلمين، بينما الأمة تكتفي بالمشاهدة، وكأن ما يحدث فيلم كرتون عابر لا يمسها في كرامة ولا وجدان.
لقد تحولت أمتنا إلى مسرح للخذلان. تتناحر دولنا طلبًا لرضى واشنطن والعواصم الكبرى، وتغرق في وحل الفساد واللهو، بينما العدو يعبث بمقدساتنا ويذبح أبناءنا. نملك التاريخ المضيء، والثروات الهائلة، والموقع الاستراتيجي الذي تهتز له قارات الأرض، لكننا فقدنا الإرادة والعزيمة، وارتضينا أن نعيش على هامش العالم. نصرخ في ملاعب الكرة ونهتف للأندية، لكننا نصمت أمام نزيف الدم، ونغلق أفواهنا حين تصرخ غزة بالدم.
أين الأمة التي أنجبت الأبطال وصنعت الفتوحات؟ أين إرث محمد صلى الله عليه وسلم، وأين روح صلاح الدين، وأين سيف خالد بن الوليد؟ لقد أصبحنا جثة حضارية هامدة، نكتفي بالتصفيق أو الشجب أو التغريد على وسائل التواصل، بينما أطفال غزة يواجهون طائرات الاحتلال بصدور عارية.
إن ما يجري اليوم ليس مجرد مأساة إنسانية، بل محكمة تاريخية مفتوحة. كل شهيد يسقط شاهد ضدنا، كل بيت يُهدم وصمة عار في جبيننا، كل دمعة طفل وثيقة إدانة لهذه الأمة العاجزة. وإن لم نستفق اليوم، فإن التاريخ لن يرحمنا، وسيكتب بمداد من خزي أن أمة الملياريْن ردّت على صرخة الدم بالشجب والخذلان








