سوزان ابو بكر تكتب : منصات التواصل تتحول إلى مسالخ .. أين القانون ..؟؟
بقلم سوزان ابو بكر
في الأردن تتكرر يوميًا مشاهد تقشعر لها الأبدان، حيوانات أليفة وبريئة تتحول إلى ضحايا عبث سادي يمارسه بعض من فقدوا إنسانيتهم، كلاب تُضرَب بالعصي حتى تنزف، قطط تُحرق أو تُرمى من أماكن مرتفعة، خيول تنهار تحت الضرب والإهمال، ثم تُوثَّق هذه الجرائم بعدسات الهواتف لتُبث على منصات التواصل الاجتماعي كأنها عروض مجانية للدم والوجع، مشاهد يشاركها الفاعلون بفخر ويعتبرونها مادة للتسلية وجمع الإعجابات والتعليقات، وكأن أرواح هذه الكائنات لا تساوي شيئًا سوى بضع ثوانٍ من الضحك الأسود.
المؤلم أن هذه الممارسات لم تعد استثناءً أو تصرفات فردية معزولة، بل باتت ظاهرة تتسع يومًا بعد يوم، تتغذى من غياب القوانين الصارمة التي تردع المجرمين وتضعهم أمام مسؤولياتهم، ففي ظل غياب العقوبة الرادعة، يُترك المجال مفتوحًا أمام مرضى النفوس لتجريب طرق جديدة في التعذيب، ولتحويل الألم إلى مادة مرئية تُعرض بوقاحة على الملأ، بينما الأجهزة الرسمية لا تحرّك ساكنًا إلا في حالات نادرة سرعان ما تُطوى.
إن ما يحدث ليس مجرد اعتداءات على الحيوانات بل هو اغتيال للرحمة من جذورها، فضيحة أخلاقية تهزّ صورة بلد يفتخر بإنسانيته وقيمه الدينية والاجتماعية، بلد يتغنى بالتراث والكرم، بينما تُداس أضعف الكائنات تحت الأقدام وتُهان أمام ملايين المشاهدات، لتتحول السادية إلى ثقافة فرعية يتسابق أصحابها على من يكون الأكثر قسوة، وكأن التوحش صار وسيلة لتحقيق شهرة رقمية.
وعلى الرغم من هول المشهد، يبقى المجتمع في أغلبه متفرجًا، صدمات عابرة على مواقع التواصل، غضب لبضع ساعات، تعليقات غاضبة ثم صمت ونسيان، وكأن دماء الحيوانات وصرخاتها لا تعني شيئًا أمام زحمة الأخبار والمشاغل اليومية، هذا الصمت الشعبي يعزز غياب القانون، ويمنح القتلة صكّ براءة غير معلن ليستمروا في جرائمهم بلا خوف من حساب أو مساءلة.
الحقيقة المُرّة أن كل مقطع تعذيب يُنشر ولا يُحاسَب مرتكبوه يفتح الباب أمام مزيد من الوحشية، ويُسقط مزيدًا من الأقنعة عن وجوه تدّعي الإنسانية بينما تمارس أبشع صور الانحطاط، إننا أمام كارثة أخلاقية واجتماعية لا يمكن السكوت عنها، فالمجتمع الذي يتسامح مع تعذيب الحيوانات لن يتردد في التطبيع مع العنف ضد البشر، ومن يضحك اليوم على صرخات قطة أو عذاب كلب قد يكون غدًا هو نفسه من يعتدي على إنسان بلا رحمة.
هذه الظاهرة جرس إنذار يدق بعنف، فإما أن يتحرك المشرّع والجهات الرسمية لوضع قوانين صارمة تنص على عقوبات فعلية تصل إلى السجن والغرامات الكبيرة، وتطبَّق بجدية دون تهاون، وإما أن نظل ندور في حلقة مفرغة من الجرائم المتكررة التي تحوّل المنصات الرقمية إلى مسالخ مفتوحة، حيث تُباع الرحمة بثمن رخيص، ويُشهر العنف كسلاح للفت الانتباه، إنها ليست معركة بين إنسان وحيوان فقط، بل بين إنسانية حقيقية وإنسانية زائفة، بين قيم ندّعيها ووحشية نمارسها علنًا، وما لم نواجه هذه الحقيقة بجرأة فسنجد أنفسنا غدًا أمام جيل كامل يتربى على مشاهد الدم كترفيه، ويعتبر التعذيب بطولة، وحينها لن يكون هناك سبيل لإنقاذ ما تبقى من إنسانيتنا.








