حين يصبح الإنسان فريسة في بازار الحياة

{clean_title}
الشريط الإخباري :  

 

حوار تبارك الياسين مع الروائي خالد سامح المجالي

‎رواية "بازار الفريسة" للكاتب الأردني خالد سامح تأتي كصرخة أدبية تتقاطع فيها الأسئلة الوجودية مع الهواجس الاجتماعية والسياسية. هي نص يعرّي الواقع ويكشف عن عوالم مسكونة بالاغتراب والخذلان، حيث يواجه الإنسان مصيره في "بازار" كبير، أشبه بسوق تُباع فيه الأرواح وتُشترى القيم، ليغدو الفرد مجرد فريسة تتناهبها القوى المتصارعة.
‎يمزج خالد سامح في عمله بين الواقعي والرمزي، بلغة مكثفة ومشحونة بالصور، فيطرح قضايا الحرية والهوية والعدالة، ويعكس قسوة الحياة الحديثة بكل ما تحمله من تناقضات. الرواية إذن ليست مجرد حكاية، بل تجربة فكرية وجمالية تسعى إلى مساءلة القارئ وإيقاظ وعيه أمام تحولات العالم وضراوته.



‎١ـ ما هي القضايا الرئيسية التي تتناولها رواية "بازار الفريسة"؟ وكيف يعكس الكاتب من خلالها الواقع 
‎السياسي والاجتماعي في الشرق الأوسط؟

‎جـ باختصار، يمكنني القول أن "بازار الفريسة" محاكمة لمرحلة تاريخية حساسة ومهمة من عمر القضية الفلسطينية والمنطقة العربية بصورة عامة، وهي فترة تواجد الفصائل الفلسطينية المقاتلة في لبنان قبل خروجها عام 1982، وهي بذلك لا تبحث في مآلات الثورة الفلسطينية وأسباب الوضع الحالي فحسب، وإنما تطرح أسئلة حول الشخصيات المؤدلجة والمؤمنة بمباديء راسخة...وكيف تتغير مع الزمن وإغراءات المادة والسلطة، كما أنها تقارب التغيرات العديدة التي عصفت بمجتمعاتنا ومدننا العربية على مدى العقود القليلة الماضية.  

‎٢ـ كيف يستخدم خالد سامح الشخصيات المتخيلة لاستكشاف مواضيع الفساد السياسي والمالي وانحراف النخب المناضلة؟

‎ جـ ـ هي شخصيات ليست حقيقية حرفياً، إنما لها أصل واقعي، ثم يأتي توظيف الخيال ليرسم ملامحها ويقدمها للقاريئ، الذي بدوره سيضيف من خياله ملامح وتفاصيل وتصورات أخرى عنها.
‎أما الفساد السياسي والمالي والتنازل السهل عن المباديء فأمثلته كثيراً، وأظن أن ليس من الصعب على أي كاتب استحضار شخصية معينة حين يطرح مثل تلك القضية.

‎٣ـ كيف ساهمت خلفيتك كصحفي ودارس للعلوم السياسية في تشكيل الأحداث والرؤية النقدية في الرواية؟

‎ج - سُألت قبل ذلك حول دور عملي في الصحافة في توجيه وتطوير مشروعي الأدبي، وكانت اجابتي دائماً أن العمل في الصحافة فتح لي آفاق كبيرة للإطلاع على قضايا المجتمع بعمق، والاشتباك بصورة شبه يومية مع نماذج بشرية مختلفة من خلفيات فكرية ومهنية وثقافية متعددة، وهذا يغني نصي بما يحمل من مواضيع ومضامين انسانية، ويسهم في رصد صيرورة المجتمع وتحولاته المركبة.
‎أما دراستي للعلوم السياسية فهي أقل تأثيراً ربما، ولا أظن أن تجربتي الأدبية كانت ستكون مختلفة لو كنت حاملاً لشهادة أخرى كعلم الاجتماع أو النفس أو القانون على سبيل المثال.

‎٤ـ كيف يساهم استخدام الوثائق المتخيلة (مثل الرسائل الرسمية) في تعزيز الواقعية في الأحداث؟

‎جـ ممكن اعتبارها إحدى التقنيات التي تدعم الخط السردي  وتمنحه صبغة واقعية أكثر دون أن تحوله بالطبع إلى عمل توثيقي جامد، هي تشبه الشخصيات، لها أصل واقعي لكنها ليست حقيقية تماماً، لكنها وبلا شك ستفسد العمل غن كانت مقحمة وتحولت إلى حشو لا دور فني أو سردي له. 

‎٥ـ كيف تعكس الرواية تأثير الحرب الأهلية اللبنانية والقضية الفلسطينية على حياة الشخصيات؟

‎ جـ ـ هناك سؤال محوري في روايتي "الهامش" و"بازار الفريسة" وربما سيجد له أيضاً متسع في أعمال قادمة، وهو: كيف تغير الحروب والأحداث الكبرى مصائر الأفراد؟ فمثلما تتبعت تطور شخصية "لهيب" في رواية "الهامش" من إمرأة مكسورة ومحطمة نتيجة الحرب والعنف في بلدها العراق إلى سيدة أعمال غنية وفاسدة لا بل وشريرة عندما تلجأ الى الخارج، تتبعت شخصية رشيد مرعي من شاب بسيط وفقير توجه من عمّان إلى بيروت للانخراط في صفوف منظمة التحرير الفلسطينية ثم تغيرت حياته بصورة دراماتيكية وعبر سلسلة من الأحداث والتقلبات بعد خروجه من بيروت ليصبح مليونيراً ولا محظورات لديه من أجل تحقيق أحلامه ومشاريعه التي باتت بعيدة كل البعد عن القيم والمباديء التي كان يدافع عنها.



‎٦ ـ ما هي الرمزية وراء عنوان "بازار الفريسة"، وكيف يعكس هذا العنوان الموضوعات التي تناولتها الرواية؟

‎ ج ـ حين بات رشيد مرعي – وهو الشخصية المحورية في الرواية- غنياً، أصبحت هوايته جمع النوادر من التحف والتذكارات والشواهد المادية على أحداث تاريخية، تلك التي كان يباع بعضها في عواصم عالمية كان يزورها بمبالغ كبيرة كخوذة جندي من الحرب العالمية الثانية أو طبعة قديمة ونادرة لكتاب "رأس المال" أو هاتف من الحقبة الملكية في مصر أو كاميرا سوفيتية قديمة الطراز وتماثيل لمارلين مونرو وستالين ...وغيرها الكثير من عناصر متضادة أحياناً ومن المستهجن جمعها والاحتفاء بها في ذات الوقت، وقد عرضها كلها في واجهة ضخمة داخل مكتبه بما يشبه البازار الكبير..وقد يرى القاريء أن في ذلك إسقاطاً على حياة مرعي نفسه حين تحولت سيرته إلى بازار يدخله الكل ويدقق في تفاصيله وعناصره المتناقضة، وحين تحول هو إلى فريسة.

‎٧ ـ هل تعتقد أن قرار منع توزيع الرواية في الأردن كان مبررًا؟ وكيف أثر ذلك على شهرة العمل وقيمته النقدية؟

‎ج - لا قرار منع مبرر لأي عمل إبداعي ليس في الأردن بل في أي بلد في العالم، الابداع يقوم على الخيال الخلاق وهو تعبير سلمي وجمالي عن أفكارنا ورؤيتنا لذواتنا والمحيط، فأي خطر أو أذى شكلته "بازار الفريسة" على المجتمع والدولة حتى يتم منعها! ...هذا هو السؤال الذي وجهته للرقيب وربما وجهه آخرون كثر منعت أعمالهم، أما الإجابات فتأتي دائماً مرتكبة ملتبسة فضفاضة ضعيفة الحجة، مثل وجود بعض الشتائم الغير لائقة في الحوارات داخل الرواية أو إثارة نعرات أو خدش حياء وما إلى ذلك من المبررات المزاجية على الأغلب.
‎أما بخصوص شهرة العمل وقيمته الأدبية، فأنا لن أكون سعيداً ان كان الاحتفاء النقدي بها سيرتكز فقط قرار منعها من قبل السلطات، وأتمنى أن تكون هي بالفعل ذات قيمة فنية وإبداعية تدفع النقاد للكتابة عنها وتناولها على أكثر من صعيد نقدي.

‎الكاتب خالد سامح صحفي في جريدة الدستور الأردنية، وهو حاصل على بكالوريوس في العلوم السياسية من الجامعة الأردنية، وترجمت بعض نصوصه الأدبية للإنكليزية لتُنشر في ملف خاص عن الأدب الأردني في مجلة «ذا كومون» الأمريكية، أما إصداراته فهي:

‎«نافذة هروب» / قصص قصيرة/ 2008. «نهايات مقترحة» / قصص قصيرة مع نص مسرحي /2011. «ويبقى سراً/ قصص قصيرة/2017. «بين سطور المدينة» /قصص قصيرة/2018. «الهامش»/ رواية/ 2020 / عن دار ضفاف والإختلاف، وكتب عنها كبار النقاد العرب في صحف أردنية وعربية.

‎كتب في عدد من الصحف والمواقع العربية والمحلية. ترجمت بعض قصصه للإنكليزية والفرنسية.

© جميع الحقوق محفوظة لوكالة الشريط الإخبارية 2024
تصميم و تطوير
Update cookies preferences