حزبي المحافظون والعمال البريطانيان… تاريخ طويل من دعم إسرائيل ومعاداة العرب والمسلمين
بقلم: عوني الرجوب
باحث وكاتب سياسي
في إطار سلسلتنا اليومية التي نسلّط فيها الضوء على الأحزاب الأجنبية المعادية للعرب والمسلمين، نأتي اليوم إلى أهم حزبين في بريطانيا: حزب المحافظين وحزب العمال. هذان الحزبان يمثلان القوتين الرئيسيتين في المملكة المتحدة، وغالبًا ما يُقدَّمان كخيارات متعارضة سياسيًا، لكن عند فحص سياساتهما تجاه العرب والمسلمين نجد أن الاختلاف في الأسلوب لا يغيّر الجوهر. كلا الحزبين اتخذ مواقف دعمت إسرائيل على حساب الحقوق العربية والإسلامية، وكلاهما تجاهل الحقوق المدنية للمسلمين داخل بريطانيا.
نشأ حزب المحافظين من حركة التوريين في القرن الثامن عشر، وتحول إلى حزب سياسي رسمي في أوائل القرن التاسع عشر. من البداية، لم يكن العرب ضمن أولوياته، بل كانت مصالح بريطانيا الإمبراطورية والاستعمارية هي الأساس. خلال القرن التاسع عشر ركّز الحزب على السيطرة على مصر وبلاد الشام وضمان طرق التجارة والنفط، مع قمع أي مقاومة عربية. ومع وعد بلفور عام 1917، دعم الحزب المشروع الصهيوني، متجاهلًا تمامًا مطالب العرب بالحرية والسيادة، ممهدًا الطريق للصراع الفلسطيني الإسرائيلي المستمر حتى اليوم. بعد النكبة عام 1948، اعتمد المحافظون على دعم إسرائيل سياسيًا واقتصاديًا، وتجاهلوا المطالب العربية باسترجاع الأراضي المحتلة. خلال حروب 1967 و1973 دعم الحزب إسرائيل علنًا، متجاهلين الحقوق العربية، ما ساعد تل أبيب على تثبيت احتلالها للقدس والجولان والضفة الغربية. ومع دخول القرن الحادي والعشرين، استمر دعم إسرائيل في كل النزاعات، من حصار غزة والتوسع الاستيطاني إلى العدوان على لبنان وسوريا، مع تجاهل أي خطوة دفاعية عربية، مهما كانت محدودة، والتعامل معها بالتهديد والضغط السياسي والاقتصادي.
لم يقتصر عداء حزب المحافظين على الخارج، بل امتد إلى الداخل أيضًا. فقد تفشت الإسلاموفوبيا بين صفوف الحزب، وصدرت تصريحات من وزراء ونواب وصفوا المهاجرين العرب والمسلمين بأنهم “غزو يهدد بريطانيا”، بينما تجاهل الحزب الشكاوى المتكررة من المواطنين المسلمين والاكتفاء بإجراءات شكلية لا تعالج المشكلة. كل ذلك يجعل العرب والمسلمين في الداخل والخارج في مواجهة مباشرة مع سياسات الحزب، الذي يرى مصالح إسرائيل وبريطانيا أولوية على أي اعتبار أخلاقي أو إنساني.
أما حزب العمال، فيُقدّم نفسه كمدافع عن العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان، لكنه في الواقع لم يكن نصيرًا للعرب أو المسلمين أيضًا. منذ وعد بلفور وحتى اليوم، ظل الحزب يتبنى ازدواجية صارخة، حيث يتحدث في خطاباته العامة عن حقوق الفلسطينيين وحل الدولتين، ويظهر بمظهر المدافع عن حقوق الشعوب العربية والمسلمة، لكنه عمليًا يدعم إسرائيل سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا، ويتجاهل انتهاكاتها مثل الاستيطان والحصار والمجازر بحق المدنيين. حكومة توني بلير من حزب العمال دعمت غزو العراق عام 2003، وهو قرار دمّر دولة عربية بأكملها، بينما دعمت إسرائيل عمليًا باعتبارها حليفًا طبيعيًا لبريطانيا في الشرق الأوسط. كما استغل الحزب اتهامات “معاداة السامية” لكبح الأصوات المؤيدة للفلسطينيين داخل وخارج الحزب، مما أثار جدلًا واسعًا حول حرية التعبير داخل الحركة العمالية.
ورغم شعاراته التقدمية، فإن حزب العمال لم يواجه الإسلاموفوبيا المتزايدة داخل بريطانيا بجدية، والاكتفاء بخطاب رمزي لا يحقق حماية فعلية للمسلمين. ومن تعرض للتمييز أو التشهير من المسلمين العرب البريطانيين لم يجد حماية حقيقية من قيادات الحزب، مما يعكس ازدواجية في السياسات بين الخارج والداخل.
رغم اختلاف أسلوب كل حزب، يلتقيان في عدة نقاط أساسية. فالانحياز لإسرائيل ثابت، سواء بشكل صريح كما في المحافظين أو بخطاب حقوقي كما في العمال. كما أن الحقوق الفلسطينية تتجاهل في كل مرة، وأي محاولة عربية للدفاع عن أراضيها أو الشعب الفلسطيني تُقابل بالصمت أو الضغوط. وكل القرارات البريطانية تأتي لتغليب مصالح تل أبيب ومصالح بريطانيا في الشرق الأوسط. الفارق الوحيد هو أن المحافظين صريحون في معاداتهم للعرب والمسلمين داخليًا، بينما العمال يظهر بمظهر الحقوقي لكنه عمليًا يحقق نفس النتائج على الأرض ويخفي الانحياز خلف شعارات إنسانية.
سواء داخل بريطانيا أو خارجها، العرب والمسلمون هم الخاسر الأكبر. في الخارج، الحكومات البريطانية لا تدافع عن حقوقهم ولا تحمي أراضيهم، وفي الداخل، المسلمون يواجهون الإسلاموفوبيا والتمييز الاجتماعي والسياسي. أي محاولة للاعتماد على أي حزب بريطاني لتحقيق العدالة أو حماية الحقوق العربية والإسلامية هي وهم قاتل.
قراءة دقيقة لمسار حزب المحافظين وحزب العمال تكشف أن السياسة البريطانية تجاه العرب والمسلمين ثابتة بغض النظر عن الحزب الحاكم. الانحياز لإسرائيل، تهميش الحقوق العربية، وتغليب المصالح الاستعمارية هي القاسم المشترك بينهما. الدرس الذي يجب أن يدركه العرب والمسلمون هو أن حماية حقوقهم ومستقبلهم لا يمكن أن تأتي من الخارج، بل من الداخل، من خلال وحدة الصف العربي، وبناء قوة اقتصادية وعسكرية مستقلة، واستقلال القرار السياسي بعيدًا عن المحاور الغربية. فالمراهنة على أي حزب بريطاني ستكون دائمًا على حساب السيادة والمصالح العربية








