من بلفور إلى طومي روبنسون: بريطانيا تعيد إنتاج الكراهية ضد العرب والمسلمين
بقلم: عوني الرجوب
باحث وكاتب سياسي
في إطار سلسلتنا اليومية التي نسلّط فيها الضوء على الأحزاب والقوى الأجنبية المعادية للعرب والمسلمين، نأتي اليوم إلى الساحة البريطانية، حيث لم يتوقف العداء عند حدود الأحزاب التقليدية الكبرى – المحافظون والعمال – بل تمدد إلى الشارع عبر حركات يمينية متطرفة مثل UKIP، Britain First، وBNP، وجماعات عنصرية تصوغ خطابًا خطيرًا يستهدف العرب والمسلمين.
منذ أن كتب وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور عام 1917 رسالته المشؤومة، التي منحت فلسطين لليهود على حساب أهلها، لم ينقطع الخيط الرفيع الذي يربط بريطانيا بالمشروع الصهيوني، ولم تتوقف آثار تلك السياسة عن ملاحقة الأمة. لكن اللافت أن هذا العداء لم يعد محصورًا داخل جدران السياسة الرسمية، بل خرج إلى الشارع البريطاني ليولد ما يمكن تسميته بـ”بلفور الشعبي”، على أيدي الأحزاب اليمينية المتطرفة والحركات الشعبوية، والتي باتت تشكل تهديدًا مباشرًا لملايين المسلمين المقيمين في بريطانيا.
في 13 سبتمبر 2025، شهدت العاصمة البريطانية لندن أكبر مظاهرة لليمين المتطرف في تاريخها الحديث، حيث تجمع ما بين 110,000 إلى 150,000 شخص في مسيرة نظمتها شخصية اليمين المتطرف طومي روبنسون تحت شعار “Unite the Kingdom”. المظاهرة شهدت أعمال عنف واشتباكات مع الشرطة، مما أسفر عن إصابة 26 ضابط شرطة واعتقال 25 شخصًا، بينهم من تم توجيه تهم الاعتداء على موظفي الطوارئ (thetimes.co.uk).
حزب الاستقلال البريطاني (UKIP) معروف بتوجهاته القومية المتطرفة، وقد ارتبط اسمه بحملات معادية للهجرة والإسلام، وكان له دور بارز في حملة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست). أما حزب بريطانيا أولاً (Britain First) فهو حزب فاشي جديد تأسس عام 2011، ويُعرف بتوجهاته المعادية للإسلام، حيث ينظم حملات ضد بناء المساجد ويدعو إلى طرد المسلمين من بريطانيا. والحزب الوطني البريطاني (BNP) حزب سياسي يُعرف بتوجهاته العنصرية والفاشية، ويدعو إلى إقامة دولة بريطانية نقية عرقيًا. هذه الأحزاب، وإن لم تملك وزنًا برلمانيًا كبيرًا، فإنها تمتلك ما هو أخطر: الشارع والإعلام والتحريض المباشر، وهي بذلك تدفع الحكومات التقليدية – المحافظين والعمال – إلى تبني سياسات أكثر تشددًا تجاه العرب والمسلمين بدعوى “الحفاظ على الأمن القومي”.
رغم التنديد الرسمي من قبل رئيس الوزراء كير ستارمر، الذي وصف المظاهرة بأنها جزء من “معركة الأمة ضد الانقسام السام” (theguardian.com)، فإن بعض أعضاء الحكومة، مثل وزير الأعمال بيتر كايل، دافعوا عن حرية التعبير، مما أثار انتقادات من قبل منظمات حقوقية وسياسية.
ما يجري في بريطانيا ليس شأنًا داخليًا بحتًا، بل هو مؤشر على اتساع دائرة التحالف ضد العرب والمسلمين عالميًا. فحين يُختزل الإسلام في صورة عدو، وتُرفع رايات إسرائيل في قلب لندن، ندرك أن معركتنا ليست فقط مع الاحتلال في فلسطين، بل مع ثقافة غربية كاملة تُعيد إنتاج خطابها الاستعماري بوجوه جديدة.
وإذا كان بلفور قد خطّ رسالته قبل مئة عام باسم الحكومة البريطانية، فإن بلفور الجديد يُكتب اليوم بأصوات الحشود في الشارع البريطاني. والتاريخ يعلمنا أن الشعوب التي تدرك أبعاد المعركة وتتمسك بوحدتها، هي وحدها القادرة على قلب المعادلة وإعادة الاعتبار لقضيتها المركزية: فلسطين








