الوجع… صرخة الجسد وصمت الروح
بقلم : عوني الرجوب
باحث وكاتب سياسي
الوجع… ليس شعورًا عابرًا، بل كيان يزحف في أعماقنا، يلتصق بالقلب، يشعل الروح، ويجعل الجسد يئن بصمت.
يدخل فجأة، من باب مغلق أو نافذة كانت مشرعة، من ابتسامة خائبة، أو كلمة لم تُقال، من حلم انكسر قبل أن يرى النور، من وعد لم يُوفَّ، من إحسان لم يُقدَّر.
الوجع… أن تعطي بلا حدود فتجد الجحود والنكران مكان الشكر والإحسان.
أن تحب بصدق، فتغلق القلوب الأخرى أبوابها أمامك بلا سبب.
أن تقدم الخير، فيُنسى أو يُنكر، فتشعر بأن الأرض التي زرعت فيها زهورك صارت أشواكًا تغرز في قلبك.
الوجع أن تخسر من أحببتهم، أن يرحل من كنت تعتقد أنه سيبقى، أن تتلاشى الفرص كما تتلاشى الأمواج على شاطئ مهجور.
أن ترى أحلامك تتلاشى أمام عينيك، كأن كل ما زرعته في حياتك ينهار، ويهمس داخلك صوت خيباتك: ‘كل شيء كان مجرد وهم’.”.
الوجع… صمت قاتل يصرخ داخلك، يحرقك لأنه يعلمك أن العالم لن يرى دموعك، ولن يقرأ كلماتك، ولن يقدّر كل فعل قمت به.
الوجع فيه عتاب… لكل قلب نسي المعروف، لكل عين أغفلت ما قدمت، لكل يد لم تمتد حين كنت في أمس الحاجة.
الوجع فيه ألم وفقد… لكنه أيضًا درس: الصبر على الاستمرار، الكرامة في العطاء بلا انتظار، والأمل في أن روحك، مهما تكسر جسدك، تبقى تبحث عن الضوء في آخر النفق.
الوجع… ليس ألمًا شخصيًا فقط، بل امتداد للوجع الجماعي، وجع الأمة، وجع كل قلب يراقب الألم حوله بلا قوة للتغيير.
الوجع عندما أرى قومي يتخاصمون، والحق يغرق في صراعات صغيرة ضحلة.
الوجع عندما أجد النخوة قد انقرضت، والقيم التي صانها الاباء الأجداد صارت كلمات على ورق.
الوجع عندما أشاهد أطفال غزة ممزقي الأشلاء ودماؤهم تسيل في الأزقة والطرقات وتحت ركام القصف والدمار، وًالحرمان يقتل البراءة، وأنا عاجز عن حمايتهم.
الوجع عندما أرى الخراب والدمار في أقطارنا العربية، البطش والتنكيل، والغطرسة والعنجهية التي لا تعرف رحمة.
الوجع عندما أرى الشيوخ والنساء حفاة، لا يجدون شربة ماء، أو علبة حليب، أو علبة دواء لأطفالهم.
الوجع عندما أكتشف أن أمتنا العربية لا تحرك ساكنًا، لصراخ طفل يستنجد بها او نداء امرأة تقول واعرباه
وأالاحتلال يمضي بلا مبالاة، والناس ينتظرون معجزة لن تأتي.
الوجع من أبناء جلدتنا الذين ينامون على صرخات الأطفال والثكالى، بلا شعور أو رحمة.
الوجع… هو دمعة الروح حين تقول: “أنا هنا، أنا أشعر، أنا أستمر”.
هو المرآة التي تكشف أعماقنا، ويُظهر حقيقة الإنسان: لا يُقاس بما يأخذ، بل بما يحتمل، بما يعطي، وبما يستمر رغم كل خيبات الأمل.
ومن رحم الوجع يولد الإنسان أقوى…
أقوى قلبًا، أعمق إحساسًا، أرحم نظرًا للعالم، وأكثر استعدادًا لأن يحب، أن يغفر، أن يصبر، وأن ينتظر الفجر رغم كل الظلام.
الوجع… صرخة الجسد، صمت الروح، نور العقل، دمعة القلب، هو ما يجعلنا بشرًا بحق، وما يجعل الحياة جديرة بأن تُعاش رغم كل شيء








