فلسطين بين الاعتراف الدولي والفخ المحتمل: تحليل سياسي ودبلوماسي
الكاتب : عوني الرجوب
باحث ومحلل سياسي
أعلنت بريطانيا وعدد من الدول الغربية مؤخرًا عن الاعتراف بدولة فلسطين، في خطوة وصفتها هذه الحكومات بأنها دعم لحل الدولتين وإشارة رمزية لإعادة القضية الفلسطينية إلى صدارة الاهتمام الدولي. لكن هذا الاعتراف يثير أسئلة حيوية: أين ستكون حدود الدولة؟ وهل سيترجم الاعتراف إلى سيادة فعلية على الأرض؟ أم أنه قد يتحول إلى فخ سياسي يخفي الواقع الميداني الصعب؟ غياب السيطرة الفعلية للسلطة الفلسطينية على الضفة الغربية وقطاع غزة، واشتراطات بعض الدول الغربية لاستبعاد حماس من المشاركة السياسية، يضع الفلسطينيين أمام تحديات جسيمة تهدد المشروع الوطني وأمنهم المستقبلي.
المخاوف من أن يكون الاعتراف خارج حدود فلسطين حقيقية وملموسة. غياب رسم خرائط واضحة يفتح الباب أمام تفسيرات متعددة قد تخدم مصالح الدول الغربية على حساب الشعب الفلسطيني. الشروط المفروضة على السلطة، مثل استبعاد حماس أو فرض إصلاحات خارجية، تشير إلى أن الدولة المعلنة قد تصبح رمزية فقط بلا سيادة فعلية. الواقع على الأرض يعزز هذه المخاوف، فالسلطة الفلسطينية غير قادرة على فرض سيطرتها الكاملة على الأراضي والمعابر والموارد الحيوية، مما يجعل أي اعتراف بلا خطة تنفيذية فعّالة مجرد إعلان شكلي.
الدروس التاريخية تثبت هذه المخاطر بوضوح. اتفاقيات أوسلو منحت السلطة صلاحيات محدودة دون نقل السيادة الكاملة، فيما استمر التوسع الاستيطاني والسيطرة الإسرائيلية على الأراضي والموارد. التجارب السابقة للاعتراف الدولي غالبًا ما كانت رمزية ولم تمنح الفلسطينيين القدرة على إدارة أراضيهم أو مؤسساتهم بحرية. حتى في المحافل الدولية، رفض منح الرئيس الفلسطيني ووفد رفيع المستوى التأشيرات لحضور الاجتماعات الرسمية يظهر فجوة كبيرة بين الاعتراف الرسمي والقدرة على التمثيل السياسي الفعلي.
التحليل السياسي والدبلوماسي يوضح أن الاعتراف الدولي يحمل قيمة رمزية كبيرة ويضع إسرائيل تحت ضغط دبلوماسي، لكنه وحده لا يكفي. غياب السيطرة الفعلية على الأرض، وقيود على الحكومة الفلسطينية، يمكن أن يجعل الاعتراف أداة لتثبيت واقع ناقص أو خارجي على الشعب الفلسطيني. استبعاد أي مكوّن رئيسي من المشاركة السياسية يضع الدولة المستقبلية تحت قيود خارجية ويهدد وحدة الشعب الفلسطيني وسيادته. التاريخ يبرهن أن أي اعتراف دون خريطة واضحة وسيادة فعلية يمكن استغلاله لتقليص الدولة أو إخراجها عن أرض فلسطين.
لحماية المشروع الوطني الفلسطيني، يجب أن يترافق الاعتراف الدولي مع تحديد الخرائط والحدود بشكل ملزم على أساس حدود 1967 والقدس الشرقية عاصمة، وضمان سيادة فعلية للسلطة الفلسطينية على الأراضي والمعابر والموارد، وإشراك جميع مكوّنات الشعب الفلسطيني في الحكم، بما في ذلك حماس، لتعكس إرادة الشعب كاملة. يجب فرض آليات محاسبة دولية صارمة على أي انتهاكات، ودعم المؤسسات الفلسطينية لرفع قدرتها على الصمود وإدارة الدولة بشكل فعّال، مع التركيز على تعزيز مؤسسات الحكم المحلي، التعليم، الصحة، الاقتصاد، والمقاومة القانونية والسياسية للاحتلال.
من الضروري أن يكون الاعتراف الدولي أداة ضغط عملية تدعم الدولة الفلسطينية المستقبلية، لا مجرد إعلان رمزي يهدد المشروع الوطني. الاعتراف يمكن أن يعزز قدرة الفلسطينيين على استعادة حقوقهم، وإعادة وضعهم على طاولة التفاوض بقوة، إذا كان مصحوبًا بخطوات تنفيذية واضحة، ودعم عربي ودولي، وحماية سيادتهم على الأرض.
الاعتراف الدولي بدولة فلسطين خطوة دبلوماسية مهمة، لكنه قد يتحول إلى فخ سياسي إذا لم يُرافق بتنفيذ فعلي على الأرض، وسيادة حقيقية، وإشراك كل مكونات الشعب الفلسطيني. الأمل الحقيقي يكمن في تحويل الاعتراف الرمزي إلى قوة عملية تضمن للشعب الفلسطيني حقوقه الكاملة على أرضه وتحمي قيام دولة مستقلة وذات سيادة، قادرة على الدفاع عن نفسها وإدارة شؤون مواطنيها وتأمين مستقبل أجيالها القادمة








