التعليم من أجل النمو: إعداد شباب الأردن لاقتصاد المستقبل
بقلم: المهندس الاستشاري نبيل حداد
الامين المساعد للتخطيط والشؤون الاقتصاديه/ حزب الانصار الأردني
يعتمد الازدهار المستقبلي للأمة على معارف الشباب ومهاراتهم وقدرتهم على التكيف. ومع التحولات العالمية السريعة في التكنولوجيا وأسواق العمل والابتكار، يجب على النظام التعليمي في الأردن أن يتجاوز النماذج التقليدية للتعليم، وأن يتبنى ثقافة التعلم المستمر التي تُمكّن الطلبة من الازدهار في اقتصاد المستقبل. وتزداد الحاجة إلى ذلك إلحاحًا نظرًا للتحديات التي تواجه البلاد، حيث ما زالت معدلات البطالة بين الشباب مرتفعة، كما أن نسبة محدودة فقط من الطلبة يتجهون إلى مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات . إن الإصلاح ليس خيارًا بل ضرورة.
إصلاح المدارس
يتطلب إصلاح المدارس تحولًا في الفلسفة من التعليم إلى التعلم. لم يعد مقبولًا أن تقتصر الفصول الدراسية على الحفظ فقط، بل يجب أن تشجع على حل المشكلات والإبداع والعمل التعاوني. كما ينبغي أن تدمج المناهج بين التطبيقات العملية والمحتوى الأكاديمي، وأن تركز أنظمة التقييم على المهارات والكفاءات والتفكير النقدي بدلاً من الاسترجاع الآلي للمعلومات.
يقع تدريب المعلمين في صميم هذا التحول. إذ يجب أن يتطور دور المعلّم ليصبح ميسرًا ومرشدًا يلهم الطلبة للاستقصاء والتعلم الذاتي والقدرة على التكيف. إن برامج التطوير المهني، وفرص التبادل، والتعرّف إلى أفضل الممارسات التعليمية العالمية المبتكرة، يمكن أن تمكّن المعلمين من قيادة التغيير داخل الصفوف الدراسية.
التعليم في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM)
يجب أن تكون العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات في قلب الإصلاحات التعليمية في الأردن. فمستقبل التنافسية الوطنية سيعتمد بشكل متزايد على الابتكار والبحث والتطبيقات التكنولوجية. إن الاستثمار في المختبرات والأدوات الرقمية والمشاريع التطبيقية يمكن أن يعزز الفضول العلمي ويُعدّ الطلبة لحقول مستقبلية مثل الذكاء الاصطناعي، الطاقة المتجددة، التكنولوجيا الحيوية، والتصنيع المتقدم.
كما أن تشجيع مشاركة الفتيات بشكل كامل في مجالات STEM يُعدّ أمرًا أساسيًا لتحقيق نمو شامل. ويمكن للبرامج التي توفر الإرشاد للطالبات، وتُبرز النماذج النسائية الناجحة، وتمنح المنح الدراسية، أن تسهم في سد الفجوة بين الجنسين وتطلق الطاقات الكامنة لدى شباب الأردن.
التدريب المهني
ليس كل طريق إلى النجاح أكاديميًا، فاقتصاد الأردن بحاجة ماسة إلى الأيدي العاملة الماهرة والفنيين. إن توسيع برامج التدريب المهني وتحديثها يمكن أن يسد الفجوة بين التعليم وسوق العمل. كما أن الشراكات مع الشركات الخاصة والجهات الصناعية يمكن أن تضمن مواءمة التدريب مع احتياجات السوق، مما يوفر فرص عمل مباشرة ويقلل من بطالة الشباب.
ويمكن للأردن أن يستفيد من أفضل الممارسات الدولية مثل نموذج التعليم المزدوج في ألمانيا، حيث يقضي الطلبة وقتهم بين قاعات الدراسة والتدريب العملي في المؤسسات. هذه النماذج تعزز الصلة بين النظرية والتطبيق وتمنح الطلبة خبرة عملية حقيقية.
الثقافة الرقمية
في عالم اليوم، أصبحت الثقافة الرقمية أساسية مثل القراءة والكتابة. إن تزويد الطلبة بالمهارات الرقمية من أساسيات الحاسوب إلى البرمجة وتحليل البيانات والتعاون عبر الإنترنت يُعدّ أمرًا جوهريًا لتعزيز القدرة التنافسية. ويتطلب ذلك أيضًا بناء مفهوم المواطنة الرقمية المسؤولة، والوعي بأمن المعلومات، ومهارات التحقق من وسائل الإعلام، لإعداد الشباب للمشاركة الآمنة والمنتجة في الاقتصاد الرقمي.
ويساعد إدماج التعلم الرقمي في جميع المواد وليس في مادة الحاسوب فقط على استخدام الطلبة للتكنولوجيا كأداة لحل المشكلات والإبداع في مختلف المجالات.
التعلم مدى الحياة
لا يمكن أن يتوقف التعليم عند التخرج. فاقتصاد المستقبل يتطلب القدرة على التكيف، مع الحاجة لإعادة التأهيل واكتساب المهارات الجديدة باستمرار طوال الحياة المهنية. ويجب على الأردن أن يعزز ثقافة التعلم مدى الحياة، من خلال مسارات مرنة مثل المنصات الإلكترونية، وبرامج التعليم المستمر، والتعلم في بيئات العمل.
كما أن الحوافز الحكومية، والشراكات مع الجامعات، والمبادرات التي تقودها الصناعة يمكن أن تجعل التعلم المستمر أكثر سهولة، مما يضمن قدرة المواطنين على التكيف مع التغيرات التكنولوجية ومتطلبات السوق المتطورة.
تكامل الإصلاحات
ليست هذه الإصلاحات ركائز منفصلة، بل أجزاء مترابطة من منظومة تعليمية أقوى. فالثقافة الرقمية تعزز التعليم في مجالات STEM، والتدريب المهني يستجيب لاحتياجات السوق، والتعلم مدى الحياة يضمن بقاء المهارات صالحة مع مرور الوقت. معًا، تُشكّل هذه العناصر أساسًا يُمكّن شباب الأردن من عدم الاكتفاء بالتأقلم، بل قيادة المستقبل الاقتصادي العالمي.
الخاتمة
بالنسبة للأردن، فإن التعليم ليس مجرد إعداد للحياة، بل هو أساس النمو الاقتصادي والتقدم الاجتماعي والقدرة الوطنية على الصمود. ولا يمكن أن تقع مسؤولية الإصلاح على عاتق المدارس وحدها؛ بل تتطلب تعاونًا بين الحكومة والمعلمين والقطاع الصناعي والعائلات.
من خلال التحول من التعليم إلى التعلم، وإعطاء الأولوية لمجالات STEM، وتوسيع التدريب المهني، وترسيخ الثقافة الرقمية، وتعزيز التعلم مدى الحياة، يستطيع الأردن أن يمكّن شبابه من تشكيل وقيادة اقتصاد الغد. فمستقبل شباب الأردن هو مستقبل الأردن نفسه والوقت للعمل هو الآن.








