من الأدب الوبائي في الإسلام

{clean_title}
الشريط الإخباري :  


عام طاعون عمواس (4)
خليل زعتره
في 602 م أعلن الفرس الحرب على الروم، واستطاع الفرس فتح بلاد الشام ومصر بحلول سنة 621 م، ومن نتائج هذه الحرب وقوع مجاعة في مصر تبعها جائحة وباء طاعون وقعت في 618- 619 م. هذا الوباء انتقل من الغسكندرية بالسفن إلى القسطنطينية عاصمة الروم، وانتشر داخل مصر ووصل إلى الحبشة وسواحل البحر الأحمر الشرقية والغربية. جاء في الخبر "عانى الأثيوبيون من أهوال الأشباح في الرؤية، وصاحب وباء الطاعون مخاوف عظيمة وغيره من الاضطرابات التي عاصرت حملات هرقل المنتصرة على الفرس بين 626- 628". وكان هناك خط بحري بين ميناء الفرما (بور سعيد اليوم) وغزة وعسقلان، وعن طريق هذا الخط البحري وصل الوباء إلى فلسطين وبلاد الشام بين 626- 627 م، ومن بلاد الشام انتقل إلى الجزيرة الفراتية والعراق بين 627- 628 م ثم إلى بلاد فارس.
كل هذه الأحداث الحربية والوبائية جرت خلال سنوات البعثة النبوية وبعد الهجرة النبوية، ونجد في كتب السيرة والتاريخ أن المسلمين تعرضوا لقوافل قريش في السنة الأولى والثانية والثالثة من الهجرة، أي بين 623- 625 م، وبسبب وباء الطاعون توقفت التجارة بين مكة والشام، لذا لا نجد أخباراً أن المسلمين تعرضوا إلى عير قريش، ثم كان صلح الحديبية في 6 هـ/ 628 م. وكانت آخر قافلة خرجت إلى الشام يقودها أبو العاص بن الربيع، فقام المسلمون باعتراضها في طريق عودتها، وعمل النبي –صلى الله عليه وسلم- على رد أموال القافلة لقريش، وسمح للأسرى بالذهاب إلى مكة، وهذه كانت آخر قافلة تخرج لقريش.

ولا نجد في المصادر الإسلامية أخبار عن تأثير هذه الجائحة على سواحل شبه الجزيرة العربية الواقعة على البحر الأحمر، ولا تأثيرها على شمال شبه الجزيرة العربية بعد أن ضرب بلاد الشام بين 4- 5 هـ/ 626- 627 م، ولا تأثيرها على شرق شبه الجزيرة العربية بعد أن ضرب العراق بين 6- 7 هـ/ 627- 628 م،، ولكن تتوفر إشارات تؤكد أن الطاعون وصل الحجاز وضرب في نواحي وأرياف المدينة، ولكن لا نعلم كيف وصل إلى أرياف المدينة، لذلك نفترض أن الوباء انتقل من سواحل إقليم تهامة على البحر الأحمر إلى الحجاز، فقد "ذكر لرسول الله –صلى الله عليه وسلم أن رجلاً خرج من بعض الأرياف، فأصابه الوجع حين دنا من المدينة، فأفزع ذلك الناس، فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- حين بلغه ذلك: "إني لأرجو أن لا يطلع إلينا نقابها- يعني نقاب المدينة"، أي أن لا يطلع علينا وباء الطاعون من طرق وفجاج وشعاب وجبال المدينة، وقيل هذا الحديث النبوي بطرق مختلفة.
هذا الحديث النبوي على اختلاف صياغاته وتوثيقه يشير إلى أن الطاعون كان معروفاً في الحجاز لذلك كان الصحابة يتذاكرون أمر الطاعون مع النبي –صلى الله عليه وسلم-، ومن لم يعرف مرض الطاعون، سأل: ما هو الطاعون؟ وإجابة النبي –صلى الله عليه وسلم- على هذا السؤال جاءت على أربعة مستويات:
المستوى الأول: جانب حقيقي واقعي أرضي بشري له علاقة بالطاعون بقوله: "غدة كغدة البعير"، و"موتان"، و"ذرب كالدمل".
المستوى الثاني: جانب مجازي "بقية رجز"، و"عذاب"، و"رجس"، و"رحمة".. الخ.
المستوى الثالث: جانب تشريعي: النهي عن الدخول إلى أرض الطاعون أو الخروج منها.
المستوى الرابع: جانب آخروي: "الطاعون شهادة لكل مسلم"، و"الصابر عليه له أجر شهيد".
هذه المستويات الأربعة أدت إلى اختلاف كبار القادة والصحابة والمسلمين في مسألة وباء الطاعون عندما وقعت جائحة وباء الطاعون في عهد عمر بن الخطاب التي أطلقوا عليها في الشام اسم (عام طاعون عمواس)، فقد بدا الوباء غامضاً في جانبه الحقيقي الواقعي البشري، فاستند كبار القادة والصحابة إما على اجتهادهم الفردي، أو على بعض الأحاديث النبوية التي سمعها بعض الصحابة من النبي –صلى الله عليه وسلم-، أو على الشورى كما حدث مع عمر بن الخطاب عندما قدم بجيشه للشام في 17 هـ/ 638 م، وتوقف على مشارفها بسبب الطاعون، واستشار المهاجرين والأنصار ومهاجري الفتح في أمر الدخول للشام أو الرجوع للمدينة، فاجتهد بعد الشورى بالرجوع للمدينة.
لم ترد كلمة طاعون في القرآن الكريم، إلا أن تأويل المفسرين لكلام الله عز وجل حمل معنى الطاعون، واتصل بشدة بأغراضه وموضوعاته في أكثر من آية. مثال على ذلك تفسير قوله تعالى ((ألم تر إلى الذين أخرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم موتوا ثم أحياهم)) –البقرة، 243-. اختلف أهل التفسير في تأويل أسباب خروجهم، وفي عددهم. عن ابن عباس، قال: "كانوا أربعة آلاف خرجوا فراراً من الطاعون، فأماتهم الله، فمرّ عليهم نبي من الأنبياء، فدعا ربه أن يحييهم حتى يعبدوه، فأحياهم". وعن السدّي (ت 127 هـ)، قال: "هم بضعة وثلاثون ألفاً".
جائحة وباء الطاعون التي انتقلت من مصر إلى الشام والعراق وبلاد فارس بين 5- 7 هـ/ 626- 628 م أطلق عليها الفرس اسم (طاعون شيرويه)، وشيرويه هو لقب الملك قباذ الثاني ابن كسرى الذي توّج في شباط سنة 628 م بعد أن قتل أبيه. ويبدو أن التقاليد الفارسية الموروثة كانت تعطي اسم حاكم البلاد عنواناً لجائحات وباء الطاعون. وقد توفي قباذ الثاني "شيرويه" بالطاعون في أيلولل سنة 628 م. في هذه الجائحة عانت القبائل العربية العراقية من فاشيات الوباء، وقد ورد ذكرها في المصادر الإسلامية، منها: يوم بارق، ويوم الشيّطيّن، وطاعون كورة جوخا، ويوم طاعون المدائن، ويوم طاعون حلوان.

© جميع الحقوق محفوظة لوكالة الشريط الإخبارية 2024
تصميم و تطوير
Update cookies preferences