وفي قلب الأخ شيء يشبه الأب
بقلم: عوني الرجوب
في الحياة، هناك رجال يولدون ليكونوا سندًا لا يبدله الزمن،
يحملون في قلوبهم مزيجًا من الحنان الأبوي، والحكمة الأخوية، والرحمة التي لا تُقاس.
وحين تغيب يد الأب عن البيت، يرسل الله بديلًا عنها من ذات الروح،
روحًا تشبه الملائكة، تُعطي دون مقابل، وتحب دون شرط، وتضحي دون أن تشعر أنها تضحي.
ذلك هو الدكتور غالب شطناوي — الأخ الكبير — الذي لم يكن يومًا مجرد أخ، بل كان الأب الذي لم يغادر.
كان الأمان الذي التفّت حوله الأسرة، والظلّ الذي حمى الجميع من قسوة الحياة.
لم يتزوج، لا عن ضعف أو تقصير، ولكن إرادة الله فوق الجميع،
بل أيضًا لأن قلبه امتلأ حبًا وعطاءً لمن حوله،
فأخوه وأبناء أخيه وأخواته أصبحوا عنده أغلى من روحه، وسبب حياته، ومصدر فرح أيامه.
كل شهر، حين يتقاضى راتبه، لا يفكر بما يريد هو، بل بما يحتاجون هم.
يعمل من أجل سعادتهم، يفرح حين يراهم يضحكون،
ويصطحبهم بين الحين والآخر إلى مطعم أو متنزه يلعبون ويمرحون.
وإذا مرض أحدهم، يتألم أكثر منهم،
وإن أصابت أحدهم شوكة، لا ينام من وجعه عليهم،
كأن قلوبهم تسكن قلبه الواحد.
وفي كل مناسبة، يكون أول الحاضرين، وأكرم المبادرين.
لا يدّخر جهدًا ولا مالًا، وكأن الله جعل رزقه سببًا لرزقهم،
وسعادته في أن يرى السعادة تملأ عيونهم.
وحين يخرج للتسوق ومعه أبناء أخيه، يكون كطفلٍ يفرح بفرحهم،
ينتظر أن يطلبوا، ويبتسم حين يشتري لهم ما يحبون،
ويشعر كأنه يملك الدنيا حين يراهم سعداء.
ليس في حبه رياء، ولا في عطائه منّة.
هو يعطي لأن هذا طبع الأنقياء،
يعطي لأن قلبه من نور، وروحه لا تعرف الأنانية.
وهكذا كانت حياته دائمًا —
يستيقظ على فكرة أن يكون سببًا في راحة غيره،
وينام مطمئنًا لأنه أدى رسالته في الحياة كما يجب.
لم يُرزق بولدٍ من صلبه، لأن الله أراد له أن يكون أبًا لأبناءٍ من الحب والرحمة،
ولأن الله يختار لبعض عباده أن يكونوا نعمة تمشي على الأرض لغيرهم.
وفي المقابل، لم يخذله أحدٌ من أسرته.
فكلهم يبادلونه الحب بالحب، والطاعة بالاحترام، والخوف عليه بالدموع.
لا يرفضون له طلبًا، ولا يتأخرون عن رضاه،
فهو عندهم الملاذ، والقدوة، والأب، والروح التي لا تُعوّض.
أيُّ نعمةٍ أكبر من أن يُحبك بيتٌ بأكمله لأنك سبب دفئه؟
وأيُّ مقامٍ أعظم من أن تكون الأب بعد الأب، والسند بعد الرحيل؟
إن الدكتور غالب شطناوي ليس مجرد أخ،
بل هو روح ملائكية أرسلها الله إلى بيتٍ فقد الأب،
فأحياها بالعطاء، وأنارها بالمحبة، وأعادها إلى النور.
سلامٌ عليه،
وسلامٌ على كل قلبٍ اختار أن يكون أبًا رغم أنه لم يُرزق بولد،
وعلى كل روحٍ جعلت من العطاء طريقتها في الحياة،
وعلى كل أخٍ يشبه الأب في حنانه، بل يزيد عليه في نقائه
في زمنٍ قلّ فيه الوفاء والإخلاص، يظل الدكتور غالب شطناوي مثالًا حيًا على أن العطاء لا يعرف حدودًا،
وأن الحب الحقيقي هو الذي يُعاش على الأرض قبل أن يُقال بالكلمات.
إنه الأخ الذي أصبح أبًا، والقدوة التي يلجأ إليها الجميع،
والروح التي تُذكرنا بأن الخير لا يزال موجودًا، وأن الإنسانية يمكن أن تُرى في شخص واحد إذا أحبَّ بصدق.
سلامٌ على أمثاله، ودرسٌ لنا جميعًا في العطاء، الرحمة، والوفاء








