شراكة جديدة على أسس متوازنة بين سوريا وروسيا
دخلت العلاقات السورية الروسية بعد سقوط نظام بشار الأسد مرحلة جديدة من التعاون، حيث تسعى دمشق وموسكو إلى بناء شراكة متينة تقوم على أسس مختلفة عن المرحلة السابقة، في ظل تحديات داخلية وإقليمية شديدة التعقيد.
زيارات دبلوماسية مكثفة تمهد لمرحلة جديدة
شهدت الأشهر التي أعقبت التغيير في سوريا حركة دبلوماسية مكثفة بين البلدين، بهدف إعادة تعريف العلاقة ضمن أسس جديدة. كانت بدايتها في فبراير حين جرى اتصال هاتفي بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والسوري أحمد الشرع أسس لمرحلة جديدة من الحوار. تلاها زيارة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني إلى موسكو في يوليو، ثم زيارة لوفد روسي رفيع إلى دمشق برئاسة نائب رئيس الوزراء تم فيها مناقشة ملفات اقتصادية وأمنية وعسكرية شاملة. وفي مطلع الشهر الجاري جرت زيارة وفد عسكري سوري رفيع إلى موسكو هدفت الى تطوير آليات التنسيق العسكري والأمني بين وزارتي الدفاع في البلدين.
هذه الزيارات المتسارعة، والتي ستبلغ ذروتها بزيارة مرتقبة للرئيس السوري أحمد الشرع إلى موسكو للمشاركة في القمة الروسية العربية، تظهر إرادة الطرفين لـ"فتح صفحة جديدة" في العلاقات، كما ذكر نائب رئيس الوزراء الروسي.
حاجة سورية للوجود الروسي
في خضم التحديات المختلفة التي تواجهها سوريا الجديدة، يبرز التعاون مع روسيا كخيار استراتيجي لعدة أسباب جوهرية، أهمها مواجهة التهديدات الإسرائيلية. حيث أظهرت الأحداث في جنوب سوريا عجز الغرب عن لعب دور الضامن ضد التدخلات الإسرائيلية. بينما تمتلك روسيا قدرة مثبتة على إدارة التوتر في الجولان، وحتى أن دمشق طلبت عودة دوريات الشرطة العسكرية الروسية إلى منطقة الحدود، وقد أكد بوتين في اتصال مع نتنياهو على دعمه لوحدة الأراضي السورية.
كما أن روسيا تمتلك خبرة عميقة في الملف السوري وعلاقات متشابكة مع مختلف الأطراف، من قوات سوريا الديموقراطية "قسد" في الشمال الشرقي إلى المكونات المحلية في الساحل والجنوب، وهو ما يمنحها قدرة فريدة على لعب دور الوسيط في النزاعات الداخلية وتعزيز استقرار البلاد.
وقد أشار وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف خلال لقاء مع صحافيين بأن الولايات المتحدة تعمل على تأجيج النزعة الانفصالية الكردية في شمال شرق سوريا، وهو ما يخلق توترات كبيرة داخل المجتمع السوري.
تصريح وزير الخارجية الروسي جاء بعد موافقة مجلس الشيوخ الأمريكي على مشروع قانون تفويض الدفاع الوطني للعام المالي 2026، متضمناً تخصيص 130 مليون دولار من ميزانية وزارة الدفاع الأمريكية لتمويل برامج "التدريب والمعدات والرواتب" لقوات سوريا الديمقراطية "قسد" وفصيل "جيش سوريا الحرة".
مسألة القواعد الروسية
أوضح لافروف، بأن السلطات السورية مهتمة بالإبقاء على القاعدتين العسكريتين الروسيتين على أراضيها، وهما قاعدة حميميم الجوية في اللاذقية وقاعدة طرطوس البحرية. وقال: "الجانب السوري مهتم بالحفاظ على قواعدنا العسكرية هناك. وكما أكد رئيسنا مراراً، فإننا نستند إلى مصالح الجمهورية العربية السورية"، مؤكداً أنه "من الواضح أنه في ظل الظروف الجديدة، يمكن لهذه القواعد أن تلعب دوراً مختلفاً وليس مجرد موقع عسكري".
وبحسب الخبراء فإن هذا يعكس فهمًا سوريًا لفوائد هذا الوجود، الذي يؤمن غطاءً استراتيجياً ضد العدوان الخارجي، ويشكل ورقة ضغط في التفاوض الإقليمي، كما يضمن تدريب ودعم الجيش السوري الذي يعتمد في تسليحه بشكل شبه كامل على المعدات الروسية.
والحكومة السورية الجديدة اليوم تُعيد التفاوض على اتفاقيات القواعد والعقود الطويلة الأمد لضمان احترام سيادتها. وقد سبق وأن عبّر وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، بأن الهدف هو بناء "علاقة صحيحة" قائمة على الاحترام المتبادل وضمان السيادة السورية. كما أكد الرئيس السوري، بأن العلاقة مع روسيا، اتخذت نهجاً براغماتياً، ووصفها بأنها "وطيدة" و"طويلة الأمد"، وأن هناك "مصالح استراتيجية" مشتركة بين دمشق وموسكو.
كما يؤكد الخبراء، أن دمشق تحتاج لشريك دولي يساعد في إعادة الإعمار وإعادة بناء الاقتصاد السوري المتهالك جراء الصراع المسلح الذي عاشته البلاد لأكثر من عقد وروسيا تعد من أفضل الشركاء في هذا المنحى. كما أنها تقدم دعماً سياسياً واضحاً للإدارة السورية الجديدة ضد أي تدخلات خارجية، كونها عضو دائم في مجلس الأمن، وهو دور لا تزال دمشق في حاجة ماسة إليه.
العلاقة بين دمشق وموسكو شراكة جديدة تجمع بين ضرورات الاستقرار لسوريا وحاجة روسيا البراغماتية للحفاظ على نفوذها. والنجاح في بناء هذه الشراكة المتوازنة سيعتمد على قدرة الطرفين على تجاوز إرث الماضي، ووضع مصلحة الشعب السوري واستقرار سوريا في مقدمة الأولويات، وهو ما سينعكس إيجاباً على استقرار المنطقة بأكملها.








