“مستشار في بيتنا… !”
تصريح واحد فقط كان كفيلًا بأن يجعلنا نعيد التفكير في مفهوم “الوظيفة” من أساسه.
النائب فراس القبلان قالها بوضوح في مجلس النواب 35 مستشارًا يتقاضون رواتبهم وهم في بيوتهم!
أي كرم هذا؟
وأي وطن حنون يحتضن أبناءه حتى في منازلهم ويُرسل لهم الراتب بكل حنان دون أن يزعجهم بعبء الحضور أو وجع الإنتاج؟
هل نحن في دولة رفاهٍ أم في نادٍ اجتماعي فخم عنوانه “اشتغل أو لا تشتغل المهم أن تكون قريبًا من أحدهم”؟
35 مستشارًا!
ماشاء الله
نحن لا نعرف أسماءهم ولا مهامهم ولا حتى نوع القهوة التي يحتسونها أثناء استلام
“نهاية الشهر”.
لكن يبدو أن المستشارية في هذا البلد صارت هواية وطنية لا مهنة و”البيت” صار مقر العمل الرسمي بقرار صامت من جهةٍ عليا في ثقافة التنفيع.
ولأننا شعب يحب الاقتراحات الإبداعية فدعونا نُقدّم اقتراحًا بسيطًا لمن يتقاضون رواتبهم وهم في منازلهم:
رجاءً على الأقل ساهموا في الاقتصاد المنزلي!
رتّبوا غرفة الجلوس أو ناقشوا الزوجة في قضايا الوطن أو قدّموا لأطفالكم استشارات مجانية عن معنى النزاهة الغائب في مؤسساتنا!
كونوا مستشارين فعليين ولو داخل جدران بيوتكم.
الرقم 35 ليس مجرد رقم هو صورة مصغّرة عن “دولة الغياب” حيث يمكن أن تغيب وتحضر في الوقت نفسه أن تكون موظفًا دون أن تعمل وأن تُكافأ لأنك موجود في دفترٍ ما لا في الواقع.
مجلس النواب — اللهم صلى على سيدنا محمد — الذي يُفترض أن يكون رقيبًا على الحكومة أصبح بحاجة إلى رقيبٍ على رقابته ومفتشٍ يتأكد إن كان المستشار المستشار فعلًا… أم
“مستشارًا بالوراثة”.
لو كان الأمر في شركة خاصة لطُرد الجميع في أسبوع.
لكننا في القطاع العام حيث الرواتب لا تعرف أين تذهب والضمائر تُعلن التقاعد المبكر.
أحيانًا يبدو أن الدولة تسير بنظام “الأوتو بايلوت” فيما بعض المسؤولين يعيشون فيلم
“في بيتنا موظف”.
ولكي لا نكون سلبيين بالكامل لنقترح التالي:
لننشئ منصة وطنية اسمها “مستشارك في بيتك” تضمّ كل من يتقاضى راتبًا دون أن يعمل ونحوّلهم إلى “مؤثرين وطنيين” يقدّمون نصائح من بيوتهم:
مستشار في الشؤون الصباحية: “كيف تتناول القهوة وأنت موظف بلا عمل”.
مستشار في التنمية المستدامة: “كيف تستمر في قبض الراتب دون أن تنهار معنويًا من الشعور بالذنب”.
مستشار في الحضور الغيابي: “فنّ الاختفاء مع الحفاظ على الامتيازات”.
والأجمل من ذلك أن هذا الكشف جاء من داخل المجلس نفسه.
أي أن البيت يعترف بتسرّب الماء من سقفه لكنه بدلًا من إصلاحه، يوزّع المناشف على الأعضاء ليمسحوا البلل!
الناس يا سادة لم تعد تحتمل هذا “العبث المُمأسس”.
كيف نقنع خريجًا عاطلًا منذ خمس سنوات أن البلد فيها عدالة بينما “مستشار” يجلس أمام التلفاز ببدلة البيت ويتقاضى راتبًا من جيب الدولة؟
كيف نشرح لموظف ملتزم يأتي كل صباح أن هناك من يُكافأ على الغياب؟
إنها ليست قضية 35 شخصًا فقط بل قضية ثقافة كاملة ترى الوظيفة العامة “غنيمة” لا مسؤولية.
لذلك فإننا لا نطالب بإقالة هؤلاء فقط بل بإعلان واضح:
من يعمل فليأخذ ومن لا يعمل فلينسحب.
المال العام ليس مائدة مفتوحة ولا هو وراثة سياسية.
والسؤال الأخير الذي يجب أن يُكتب بخط عريض فوق كل مؤسسة عامة:
من يعمل في الظل لأجل الوطن… ومن يعيش على ضوء راتبه دون أن يراه أحد؟
حتى ذلك الحين سنبقى نعيش في دولة المستشارين الأشباح… حيث العمل غائب والرواتب حاضرة والشفافية ما زالت
“ إجازة مفتوحة”.








