سوزان ابو بكر الطب البيطري في الأردن... حين تتحوّل الرحمة إلى تجارة

{clean_title}
الشريط الإخباري :  

 

عندما تزور عيادات الطب البيطري في مناطق محددة من الأردن، تشعر أنك لم تدخل مرفقًا صحيًا، بل علقت في مصيدة تجارية بامتياز. الاستقبال أنيق، والابتسامة عريضة، لكن خلف الجدران البيضاء وأردية الأطباء تكمن ماكينة لا همّ لها سوى ضخ الفواتير وانتزاع الدنانير من جيبك بكل احتراف.

الحيوانات الأليفة التي لطالما كانت تُعامَل كرفقاء أرواح، أصبحت اليوم في عيون بعض الأطباء مجرد أرقام حسابية، ومصدر دخل سريع. الرفق بالحيوان لم يعد هدفًا... بل غطاء ناعم لتسويق الأوهام الطبية، وتشخيصات مبنية على الظن، وتوصيات علاجية لا علاقة لها بالحالة، بل لها كل العلاقة بمحفظة المربّي.

في عيادة تدفع خمسين دينارًا لكشف لا يتجاوز خمس دقائق، يُلقي الطبيب نظرة خاطفة ويبدأ بتعداد قائمة الفحوصات "الروتينية" — أشعة، تحاليل، أدوية مستوردة، وفي كثير من الأحيان لا يقدم لك أي ضمان، بل يُحيلك إلى "رأي ثانٍ" في عيادة أخرى، وكأن اللعبة موزّعة مسبقًا بينهم. تتنقل من طبيب إلى آخر، وكلٌّ يراك فرصة مالية طازجة.

التناقضات بين التشخيصات فاضحة. الطبيب الأول يقول لك "عدوى بسيطة"، الثاني يشك بوجود ورم، والثالث يقترح عملية جراحية فورية، لا وقت للتفكير. وبين كل رأي وآخر، جيبك هو الضحية. الأدهى من ذلك، أن بعضهم يقفز مباشرة إلى خيار "القتل الرحيم"، لا لرحمة بالحيوان، بل لأن الحالة لن تدرّ مالًا بعد الآن.

أما الأسعار؟ فحدث ولا حرج. لا رقابة، لا تسعيرة معتمدة، لا خطوط حمراء. العملية التي تُجرى في الزرقاء بمئة دينار، تجدها في عمّان بثلاثة أضعاف. والدواء الذي يباع في السوق بـ10 دنانير، يُقدّم لك في العيادة نفسها بـ35. كل شيء قابل للتضخيم، لأنك ببساطة لا تملك المعرفة لمجادلتهم، ولا تملك الوقت لانتظار رأي محايد.

أصحاب الحيوانات الأليفة يتحولون تدريجيًا إلى ضحايا صامتين. لا أحد يسمعهم. لا نقابة تتحرك، ولا جهات رقابية تتابع، وكأن المهنة أصبحت بلا حسيب أو رقيب. تجارب الناس تُروى خلف الأبواب، على منصات التواصل، وفي الهمسات بين المربين، لكنها نادرًا ما تجد من يرفع الصوت في العلن.

وإن تحدثت، قالوا لك: "مش الكل هيك"، أو "في أطباء محترمين". نعم، نعلم أن هناك من يعمل بضمير، لكن هل وجود الشريف يبرر السكوت عن من استبدل الضمير بالدرهم؟ عن من يرى الحيوان كمشروع استثماري متنقّل؟ عن من يتعامل مع الألم كفرصة، والموت كحل اقتصادي؟

هذا الملف لم يعد يحتمل التجميل. الطب البيطري في الأردن بحاجة إلى وقفة، لا مجاملة. بحاجة إلى مساءلة، لا تصفيق، لأن الرحمة التي تُباع بالمزاد لم تعد رحمة، بل وهم ملوّث برائحة المال.

© جميع الحقوق محفوظة لوكالة الشريط الإخبارية 2024
تصميم و تطوير
Update cookies preferences