نقابة مهنية تفقد بوصلتها وتنحرف عن مسارها وتتسبب بكوارث لاعضائها …
لم تكن النقابات المهنية في الأردن مجرّد مؤسسات تنظّم شؤون منتسبيها فحسب، بل كانت عبر سنوات طويلة صوتًا وطنيًا حاضرًا ومؤثرًا، تقود المبادرات، وتدافع عن مصالح الهيئة العامة، وتشارك في صياغة الوعي الوطني والمهني. كانت النقابات مدارس للعمل العام، ومنابر للرأي والموقف والمسؤولية، حتى غدت نموذجًا يُحتذى في التنظيم والدفاع عن الحقوق والكرامة المهنية.
غير أن هذا الدور بدأ يتآكل تدريجيًا، حتى وصل في بعض النقابات إلى مرحلة من التراجع العميق وفقدان البوصلة. تراجعٌ لم يكن نتيجة ظرف طارئ، بل حصيلة سنوات من التحوّل من العمل الجاد إلى الاستعراض، ومن الصوت القوي إلى حضورٍ باهتٍ يكتفي بالتصوير والتوثيق بدل الفعل والتأثير. حلّت الصور محل المواقف، واستبدلت الاجتماعات الصورية بصناعة القرار الرشيد، وارتفعت قيمة “الإعجاب” على مواقع التواصل أكثر مما ارتفعت قيمة المشاركة والنقاش والمسؤولية.
هذا الانحراف لم يضر فقط بصورة النقابات، بل أصاب بنيتها الداخلية. غابت الشفافية، وتوارى العمل المؤسسي خلف الأبواب المغلقة، وتحوّلت بعض المواقع النقابية إلى ساحات شخصنة وتنافس فردي، بدلًا من أن تكون فضاءً للعمل الجماعي وخدمة المهنة والهيئة العامة. لم تعد القرارات تعبّر عن الإرادة النقابية الحقيقية، بل باتت أقرب إلى مبادرات فردية تُطرح دون مشاركة، وتُمرّر دون نقاش، وكأن الهيئة العامة مجرد متلقٍّ لا شريك في صنع القرار.
إن ما تحتاجه النقابات اليوم ليس إصلاحًا تجميليًا، بل إعادة بناء حقيقية تُعيد الاعتبار لرسالتها الأصلية. المطلوب عودة إلى العمل الجاد، وشفافية تُبعد الغموض وتقرّب الهيئة العامة من القرار، ومؤسسية تُعيد ترتيب البيت النقابي على أسس المشاركة والمحاسبة، ونَفَسًا وطنيًا يُدرك أن النقابة ليست منصة شخصية ولا حسابًا على وسائل التواصل، بل مسؤولية تاريخية تجاه مهنة ووطن وهيئة عامة لها الحق أن تُسمع وأن تُصان مصالحها.
فالنقابات التي كانت ركيزة في المشهد الوطني لا يليق بها أن تتحوّل إلى أشكال دون مضمون، وصورة دون موقف، واجتماعات دون أثر. والعودة إلى دورها الحقيقي ليست خيارًا تكميليًا، بل ضرورة لحماية المهنية والعدالة وحقوق الهيئة العامة، ولإحياء روح العمل العام التي شكّلت يومًا أحد أعمدة قوة هذا الوطن.








