على ذمة إعلام أمريكي .. حزب الله يترنّح لكنه لم يسقط بعد
بعد الضربات القاسية التي تلقّاها من إسرائيل، يسعى حزب الله إلى إعادة بناء قدراته العسكرية والمالية، بحسب مجلة فورين بوليسي.
وفي بيروت، حاولت المبعوثة الأمريكية الخاصة إلى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس، إقناع الرئيس اللبناني جوزيف عون بنزع سلاح الحزب، لكنها اكتشفت أن ذلك أسهل قولًا من التنفيذ.
إيران لا تزال الراعي الأول للحزب، لكنها لم تعد مصدره الوحيد للأموال. فحزب الله يمتلك شبكات تمويل وتوريد مستقلة تمتد من آسيا إلى إفريقيا وأوروبا وأمريكا اللاتينية، تشكّل شريان حياته حين تضيق الموارد من طهران. واليوم، إذا أراد المجتمع الدولي تحرير لبنان من قبضة الحزب، فعليه مهاجمة الحزب خارجيًا بقدر ما يضغط عليه داخليًا، وفق المجلة.
جراح الحرب… وأزمة المال
منذ حرب 2023 التي أشعلها الحزب مع إسرائيل، تعرّضت بناه التحتية ومراكزه العسكرية لتدمير شبه كامل.
تكاليف إعادة إعمار الجنوب اللبناني تقدَّر بمليارات الدولارات، وجمهور الحزب من أبناء الطائفة الشيعية ينتظر منه تعويضات وإغاثة، لكن الخزينة فارغة.
لم يتمكّن الحزب من دفع رواتب مقاتليه أو منح أسر القتلى والجرحى ما وُعدوا به، واضطر إلى إصدار شيكات مؤجّلة الدفع لإعادة إعمار المنازل، ومعظمها لم يُصرف بعد.
أما إيران، فبرغم التزامها التاريخي بتمويل الحزب، تواجه قيودًا مالية وسياسية غير مسبوقة. فالحكومة اللبنانية اتخذت إجراءات حازمة، فقد منعت هبوط الطائرات الإيرانية في مطار بيروت، وفتّشت الرسل الإيرانيين عند الوصول، كما حظرت على المصارف التعامل مع مؤسسات مالية مرتبطة بالحزب.
حتى النظام السوري الجديد بدأ يقيّد مرور الأسلحة والأموال الإيرانية إلى لبنان عبر أراضيه.
شبكات عابرة للقارات
حين تضيق الموارد، يعود الحزب إلى مصدره الأكثر استقرارًا: شبكاته الخارجية. هكذا فعل بعد حرب 2006، وبعد أزمة إيران الاقتصادية عام 2009، وأثناء تورّطه في الحرب السورية، وها هو يفعل الآن الشيء نفسه.
في إفريقيا الغربية، حذّرت وزارة الخزانة الأمريكية (FinCEN) في أكتوبر 2024 من نشاط شبكة مالية تابعة لحزب الله تدير عمليات غسل أموال وجمع تبرعات. وفي أمريكا الجنوبية، أطلقت وزارة الخارجية الأمريكية برنامج مكافآت مقابل معلومات عن آليات تمويل الحزب في المنطقة الثلاثية الحدودية بين الأرجنتين والبرازيل وباراغواي، وهي بؤرة معروفة لتهريب المخدرات وتبييض الأموال. كما يسعى الحزب إلى شراء تكنولوجيا عسكرية وثنائية الاستخدام عبر شركاتٍ وهمية. ففي 2024، أحبطت بريطانيا وألمانيا وإسبانيا عملية ضخمة لشراء مكوّنات لطائرات مسيّرة انتحارية.
وفي الصين، تمكّن الحزب من شراء مواد كيميائية لصنع متفجرات عبر شركة أجهزة طبية في غوانغجو، كانت جزءًا من مخططٍ لعمليات في قبرص وتايلند ودول أخرى.
الضرب في الخارج… شرط النجاح في الداخل
إن تقويض الحزب يتطلّب من الدول إغلاق أراضيها أمام أنشطته وتجفيف موارده غير المباشرة. وأبسط خطوة لذلك هي تصنيفه رسميًا كمنظمة إرهابية، وهو ما لم تفعله بعد دول عديدة في أمريكا اللاتينية وإفريقيا وآسيا.
تجربة ألمانيا تقدّم نموذجًا واضحًا: بعد حظر الحزب كليًا عام 2020، داهمت السلطات منظمات ومراكز تابعة له وأغلقت حساباتها البنكية. أما في البرازيل، فقد علم الأمن مسبقًا بوجود متبرّع للحزب ضمن مخطط هجومي، لكن غياب التصنيف القانوني جعل القضية “ليست أولوية” قضائية.
دراسة لمؤسسة راند وجدت أن أنشطة الحزب تراجعت بوضوح في الدول التي صنّفته إرهابيًا، بينما استمرّت بلا قيود في الدول التي لم تفعل.
فمن دون هذا التصنيف، تفتقر الحكومات إلى الأدوات القانونية لتجريم التمويل واللوجستيات المرتبطة بالحزب حتى لو لم ترتبط بهجماتٍ مباشرة.
وهنا يكمن الوتر الحساس في بنية الحزب: المال والتمويل.
تعبئة دبلوماسية متجددة
منذ عام 2019، صنّفت 19 حكومة حول العالم حزب الله كمنظمة إرهابية أو فرضت عليه قيودًا شاملة. وفي سبتمبر الماضي، أعلنت الإكوادور التصنيف رسميًا بعد زيارة وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، لتنضم إلى الأرجنتين وكولومبيا وغواتيمالا وهندوراس وباراغواي في أمريكا اللاتينية.
الرسالة واضحة: التحرك الدبلوماسي المنسّق يمكن أن يعزل الحزب فعليًا.
فرصة نادرة… أم لحظة ضائعة؟
بفضل الضربات الإسرائيلية المتتالية، فإن حزب الله في أضعف حالاته منذ عقود. الحكومة اللبنانية بقيادة جوزيف عون بدأت بخطوات حذرة لتقليص نفوذه داخل المؤسسات، لكنها تحتاج إلى دعم خارجي قوي، ماليًا وسياسيًا واستخباراتيًا.
إذا تحرّكت الدول لتجفيف مصادر تمويل الحزب في الخارج، وإذا تم الاعتراف به عالميًا كتنظيمٍ إرهابي لا ككيانٍ سياسي، فقد تكون هذه اللحظة الفرصة التاريخية لنزع أنيابه نهائيًا.
أما إن ضاعت، فسينتظر لبنان جولةً جديدة من الانهيار، وحربًا أخرى مع إسرائيل، ودورةً جديدة من العنف الذي صار القاعدة لا الاستثناء في شرقٍ أرهقته الميليشيات وتتغذّى على فوضاه، بحسب المجلة.








